وُلدت الدولة الإسلامية. أرض الرافدين وبلاد الشام ستجمعهما راية واحدة. أذرع «تنظيم القاعدة» في العراق وسوريا تعيش مخاض «دولة الخلافة الإسلامية»، التي لم يعد ينقصها سوى تعيين الأمير. هذا الحدث الكبير تنتظره بلاد الشام خلال أيام. يوم أمس، التبس الأمر على كثير من المتابعين، في مقدمتهم وسائل الإعلام. أُشيع أن أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني رفض الوحدة التي دعا إليها أمير «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي، لكن ذلك لم يكن صحيحاً. فقد أعلنها الجولاني واضحة: «إني أستجيب لدعوة الشيخ أبو بكر البغدادي حفظه الله بالارتقاء من الأدنى إلى الأعلى، وأقول هذه بيعة من أبناء «جبهة النصرة» ومسؤولهم العام الفاتح أبو محمد الجولاني نجددها لشيخ المجاهدين الأمير أيمن الظواهري ونبايعه على السمع والطاعة».
وبحسب الجهاديين، فإن «موافقة الجولاني على الارتقاء الجهادي من أجل الوحدة الإسلامية والمصلحة واجبٌ شرعي». تلك النقطة أوضحها الشيخ البغدادي، عارضاً تجربة أبو مصعب الزرقاوي الذي قاد «حركة التوحيد والجهاد» في العراق؛ فبعدما أصبحت قوّة وازنة، بايع الزرقاوي أمير تنظيم القاعدة يومها أسامة بن لادن باعتباره رمزاً للأمة. وبحسب البغدادي، تستلزم البيعة تغيير الاسم للانتقال من دائرة الجهاد في العراق والارتباط بالدائرة العالمية للجهاد. استُبدل الاسم بـ«تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ثم كان «مجلس شورى المجاهدين». قُتل الزرقاوي، فأكمل مسيرة الارتقاء هذه أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المصري اللذان أكملا الارتقاء، فكانت «دولة العراق الإسلامية». هكذا عرض البغدادي مسيرة الزرقاوى، داعياً الجولاني إلى الاقتداء به. وقال إن «الزرقاوي كان يعلم كم ستُكلّف تلك البيعة أهل السنة في العراق، لكن مرضاة الله فوق كل الحسابات البشرية». وبذلك استبق البغدادي الأعذار التي قد تُستخدم لإرجاء هذا الإعلان.
إذاً، فقد وافق الجولاني على الارتقاء نحو الدولة الإسلامية، لكنه أعلن «بقاء راية الجبهة كما هي لا يُغيّر فيها شيء، رغم اعتزازنا براية الدولة ومن حملها وضحّى وبذل دماءه تحت لوائها». وعزز ذلك، بقوله: «نُجدد البيعة لشيخ المجاهدين أيمن الظواهري بالسمع والطاعة» في ما يُشبه تقديم أوراق اعتماد، واضعاً نفسه تحت إمرة ما يُقرّره الظواهري الذي يُفترض أن يُعلن قريباً اسم الأمير لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام».
لقد شهدت الأيام الماضية نشاطاً لافتاً للتنظم الأصولي العالمي. افتتحه زعيم التنظيم أيمن الظواهري من خلال تسجيل مصوّر يمتد على أكثر من ساعتين، تحت عنوان «توحيد العمل الإسلامي حول كلمة التوحيد». خاطب الرجل الأمة الإسلامية في طول العالم وعرضه. تحدث عن «الانتصار والفتح والتمكين للإسلام وعودة مجده وعزّته»، معرّجاً على فلسطين التي رأى أن «حركة فتح» فيها تحوّلت إلى فرع من فروع الموساد وأداة في يد واشنطن. أثنى على «بطولات المجاهدين في أرض الشام» مشبّهاً ما يجري هناك بما جرى «في الطف على الحسين المحاصر»، ثم امتدح «دولة العراق الإسلامية» عشرات المرات التي «لها دين في عنق كل مسلم حر شريف». تحدث بعدها عن سقطات ثلاث لإيران (دعم غزو أفغانستان وغزو العراق والوقوف مع نظام البعث في سوريا). تطرق إلى أحوال الصومال ومالي واليمن والمغرب ومصر. رأى أن مرسي مخطئ ولا يُطبّق شرع الله. لم يكتف بذلك، أرسى أسس «دولة الإسلام الجديدة»، فحدّد المباح والمحظور قائلاً: «لا تسفكوا دماء إخوانكم المسلمين، ولا تعتدوا على حرمة مساجدهم ومساكنهم فكل هذا يؤخر النصر، لا تسارعوا في الوحدة الوطنية مع الخونة المتعاملين مع الإسرائيليين، ولا تتبرأوا من إخوانكم المسلمين المجاهدين».
هكذا نطق الظواهري بكلمة السر، فتحرّك أمير دولة العراق معلناً دولة الوحدة الإسلامية في العراق والشام. كشف أبو بكر البغدادي أنه من انتدب الجولاني للجهاد في سوريا، مشيراً إلى أنه أرسله برفقة آخرين للقاء الخلايا الجهادية في الشام: «رسمنا لهم سياسة العمل ووضعنا لهم الخطط وأمددناهم ما في بيت المال مناصفة في كل شهر». وأضاف قائلاً: «لم نُعلن ذلك سابقاً لأسباب أمنية، أما الآن فآن الأوان للإعلان أن جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية، متجاوزين كل ما سيُقال لأن رضى الله فوق كل شيء». ووضع ذلك في سياق «مسيرة الرقي بالجماعة»، داعياً إلى «إلغاء الاسمين وتوحيد الراية – راية الدولة الإسلامية، راية الخلافة، فيختفي اسم دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة ليبقيا في تاريخنا الجهادي».
خطوة البغدادي جاءت في سياق الوحدة التي دعا إليها الظواهري، لكنها فاجأت أمير «جبهة النصرة» الفاتح أبو محمد الجولاني. خرج الأخير بخطاب مسجّل ليؤكد ما كشفه البغدادي من «علاقة مع دولة العراق الإسلامية وفضل في أعناقنا لا ننساه ما حيينا»، لكنه أعلن عدم علمه بما أُعلن، مؤكداً أنه لم يُستشر في ذلك. وإذ أكّد أن «دولة الإسلام في الشام تُبنى بمساعدة الجميع من إخواننا المهاجرين وشيوخ أهل السنة»، كشف عن رغبة كانت لديهم في «إرجاء إعلان الارتباط، لا لضعف أصاب رجال الجبهة، إنما حكمة مستندة إلى فهم السياسة الشرعية التي تلائم واقع الشام والتي اتفق عليها أهل الحل والعقد من قيادات الجبهة وطلبة علمها وقيادات الفصائل الأخرى ومن يناصرنا من أهل الرأي والمشورة خارج البلاد». قصد الجولاني القول بأنه يرى أن الوضع ليس ملائماً بعد لإعلان الارتباط تحت مسمّى الدولة الإسلامية، متخوّفاً من ردور الفعل التي ستخرج، لكنه وضع نفسه بإمرة أميره الظواهري، معلناً استجابته للارتقاء من الأدنى إلى الأعلى الذي دعا إليه البغدادي، أي من جبهة النصرة إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام. وقال: نفعل ذلك «لأننا نصبو لإعادة سلطان الله إلى أرضه».
وفي سياق ردود الفعل على الإعلان، قال رئيس «الائتلاف الوطني» المستقيل، أحمد معاذ الخطيب، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن فكر تنظيم القاعدة «لا يناسب» المعارضة السورية، لافتاً إلى أنّ على « الثوار» اتخاذ قرار واضح بهذا الأمر، وأن هنالك من يريد فرض نفسه على «جبهة النصرة »، بالإشارة إلى بيان «القاعدة» في العراق بأن «النصرة امتداد لها وجزء منها».