دمشق | تعود ذكرى اندلاع الحراك السلمي في سوريا على المتظاهرين الأوائل مطلِقةً هواجس وذكريات. بعضهم يذكرها بفخرٍ باعتبار الثورة لا تزال مستمرة، فيما بعضهم الآخر يحكي عنها بحسرة من سُرِق منه حلم الثورة.
خرجوا يحملون أحلامهم بالحرية. في مثل هذه الأيام من عمر الأزمة السورية، وقبل سنتين، كانوا بضعة متظاهرين في ساحات دمشقية. مرات بقيادة امرأة، سليلة عائلة سياسية معروفة، ومرات أخرى بقيادة معارضين مخضرمين. رفعوا شعارات الحرية والمساواة والديموقراطية والتعددية دون المطالبة بإسقاط النظام بعد. فجأة ظهر أمامهم شبانٌ مع هراوات. عانى معظمهم من الضرب والاعتقال، لينتهي استمرارهم في التظاهر والنشاط السياسي ضد النظام إلى هرب بعضهم خارج البلاد للاستمرار في الثورة افتراضياً وسياسياً، ووقوع بعضهم الآخر ضحية القتل أو الاعتقال، إضافة إلى دخول آخرين في ما يدعى «المعارضة الوطنية».
الناشط السياسي محمد جلبوط، أحد المشاركين في اعتصام المرجة بتاريخ 25 آذار 2011، يذكر لـ«الأخبار» سبب خروجه منذ بداية الحراك السلمي رفضاً للتعاطي الأمني ضد الظلم والاستبداد وقمع الحريّات. ويتابع بالقول: «كنا عشرين شخصاً من الطلاب والمثقفين السوريين في ساحة المرجة وسط دمشق عندما فوجئنا بأعداد هائلة من عناصر الأمن ممن يرتدون لباساً مدنياً، حاملين الهراوات والعصي بانتظار أي حركة خارجة عن السيطرة ضمن الساحة». ويكمل كلامه قائلاً: «احتال النظام على التظاهرة بتسيير مسيرة مؤيدة بأعداد ضخمة في الساحة لأشخاص يحملون صور رئيس الجمهورية».
هكذا بدأت التظاهرات داخل العاصمة، وربما انتهت. ويرى جلبوط أن تظاهرات كفرسوسة كانت تنادي بالسلمية وترفع شعار «الله أكبر» وسط محاولات إمام الجامع الشيخ أسامة الرفاعي تقديم ضمانات لسلامة المتظاهرين بقوله حرفياً: «تحدّثتُ إلى رئيس شعبة الأمن العسكري وأخبرني أنكم ستخرجون آمنين سالمين دون أن يتعرض لكم أحد». لكن، بحسب جلبوط، فإن خروج المتظاهرين تمّ بعد ضرب معظمهم على أيدي الآلاف من الموجودين في محيط الجامع رغم الضمانات.
جلبوط انكفأ بعيداً عن الثورة منذ أن تحوّل الحراك من سلمي إلى مسلّح، في حين تابع آخرون مسيرة العمل السياسي مع الجيش الحر أو مع قوى الائتلاف كسهير الأتاسي. ويقول: «هنالك من سرق ثورة الشعب السوري». فإن عاد الزمن إلى الوراء فسيخرج للتظاهر مجدداً. وهو يجد أن المتظاهرين السلميين حققوا ما أراده النظام بالخروج من الجوامع، بعدما حاولوا في البدايات الاعتصام أمام البرلمان والسفارات.
وعلى المقلب الآخر، ومن خارج البلاد، يصدّر متظاهرٌ سابق آخر مواقفه. يمتنع عن ذكر اسمه باعتبار أنه تعرّض وعائلته إلى ما يكفي من تنكيل داخل البلاد. المتظاهر السلمي تحوّل إلى داعم للنشاط المسلّح، حيث يخرج في كل المناسبات مدافعاً عن أي إشارة طائفية يستخدمها ثوار كفرنبل والمناطق التي تقع ضمن سيطرة الجيش الحر وجبهة النصرة، بحجة طائفية النظام. الشاب العلماني يبرر التوجه الديني «الذي لم يكن هنالك بد من قيادته للثورة»، إذ «لم يترك النظام فرصة أُخرى في ظل رغبته الدائمة في تصوير معارضيه بأنهم أصوليون. وهو أمرٌ لم يستطع المتظاهرون تجاوزه أو الهرب منه». رأيه في الثورة اليوم أنها عبارة عن انتفاضة شعب، تسلّح بعضه ليدافع عن كرامته.
لم تكن ثورة سوريا كباقي الثورات في العالم وأحلام متظاهريها. ولسوء حظهم، أمست اليوم خيوطاً أمام مصالح الدول الكبرى، فيما دماء من قضى توقظ الجميع على حقيقة واقع البلاد الأسود بعد سنتين من الصراع.