افتتحت موسكو على أراضيها جولة محادثاتها مع الأطراف السوريين. حطّ يوم أمس وزير الخارجية وليد المعلم ليكرّر استعداد بلاده لإجراء محادثات مع المعارضة على أنواعها، فيما دعت موسكو السلطات السورية إلى عدم الانجرار وراء الاستفزازات الصادرة عن مناهضي التسوية، في وقت تبدّل فيه موقف «الائتلاف» المعارض إثر الضغوط الغربية، ليقرّر رئيسه المشاركة في مؤتمر «أصدقاء سوريا».في هذه الأثناء، دوّى انفجار ضخم عند مدخل منطقة القابون ليلاً، قرب معمل «سيرونيكس»، بسيارة مفخخة، من دون وقوع قتلى، أعقبته اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الدبابات. وقالت «روسيا اليوم» إن «سيارة مفخخة يقودها انتحاري هاجمت حاجزاً عسكرياً بالقرب من معمل سيرونيكس»، مشيرة إلى أن «عناصر الحاجز استطاعوا التصدي لها قبل بلوغها الحاجز، وأدى تمترسهم خلف أكياس الرمل ونصبهم المتاريس إلى تخفيف آثار القدرة التفجيرية».
وعقب الانفجار، اندلعت اشتباكات عنيفة في ثلاث مناطق رئيسية هي جوبر والقابون وبرزة، أبرزها في جوبر حيث استخدمت كافة أنواع الأسلحة بما فيها المدفعية والدبابات، وذلك على أثر محاولة اقتحام نفذتها «جبهة النصرة» من المدخل الشمالي للعاصمة باتجاه حي العباسيين حيث تصدى لهم الجيش.
وأعلن وليد المعلم استعداد دمشق لإجراء محادثات مع المعارضة السورية، بما فيها المعارضة المسلحة، قائلاً: «جاهزون للحوار مع كل من يرغب في الحوار، بما في ذلك من حمل السلاح، لأننا نعتقد أن الإصلاح لا يأتي من خلال سفك الدماء، بل يأتي من خلال الحوار». وأوضح أنّه «لذلك بادر الرئيس (بشار) الأسد بالإعلان عن البرنامج السياسي للحلّ. وفُتح الباب للمعارضة. وقدمت الضمانات لها للحضور والتشاور من أجل عقد مؤتمر حوار شامل». وأضاف: «اليوم جبهة النصرة، وهي أحد أفرع القاعدة، الطرف الرئيسي الذي يقوم بأعمال إرهابية في سوريا. هذه الجبهة جذبت مقاتلين من 28 دولة، بما فيها الشيشان».
بدوره، رأى لافروف أنّه «يجب تقديم الدعم لإنجاح الحل السلمي. ونحن نراقب الأحداث الأخيرة فيها بقلق واهتمام بالغين، وتقديرنا أن سوريا على مفترق موقفين، «حيث هناك من يريد المزيد من سفك الدماء ما يؤدي إلى تفتيت المجتمع السوري، كما أنّ هناك من يفكرون بشكل عقلاني في مستقبل سوريا، وهم الذين أخذوا يدركون أكثر فأكثر أهمية المباحثات للتوصل إلى حلّ سلمي. ونلاحظ ازدياد عدد هؤلاء الداعمين للنهج الواقعي». ودعا الوزير الروسي السلطات السورية إلى عدم الانجرار وراء الاستفزازات الصادرة عن مناهضي التسوية السلمية للملف السوري.
في موازاة ذلك، شاب موقف رئيس «الائتلاف» المعارض، أحمد معاذ الخطيب، تغيّراً بعد جملة لاءات أكدها أول من أمس، إذ أعلن أنّ الائتلاف سيشارك في مؤتمر أصدقاء سوريا المقرر عقده في روما الخميس. وكان الخطيب أعلن في وقت سابق أن المعارضة تلقت «وعوداً من دول كبرى» بالدعم «الواضح والنوعي». وأشار، من جهة ثانية، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقرّ جامعة الدول العربية، إلى أنّ زيارته التي كانت مقررة لموسكو «مؤجلة حتى نرى كيف ستتقدم الأمور». وجدّد الخطيب استعداه للحوار، متهماً النظام السوري برفض مبادرته حول هذا الموضوع.
من جهته، رأى القيادي في «هيئة التنسيق» المعارضة، منذر خدام، أنّ النظام السوري يجب أن يتوقف عن عمليته العسكرية والأمنية ويوقف الاعتقالات حتى يتوافر المناخ لإجراء مفاوضات. وقال خدام، في حديث إلى قناة «روسيا اليوم»، إنّه «للأسف نسمع كلاماً كثيراً عن الحوار، بينما على أرض الواقع هناك ما يخالفه تماماً».
في غضون ذلك، رفض «رئيس هيئة الأركان» في «الجيش السوري الحر»، سليم إدريس، دعوة المعلم للحوار، قائلاً إنّ «المعارضة المسلحة ترفض الجلوس إلى طاولة الحوار قبل تخلي الأسد عن السلطة، وقبل وقف كل أنواع القتل وسحب الجيش من المدن». وحددت «هيئة قيادة الأركان المشتركة» ثمانية شروط لخوض أيّ حوار مع النظام السوري.
من جهته، انتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان موقف الولايات المتحدة من الأزمة السورية، قائلاً إنّه «خلال كل فترة الأزمة السورية، لم تعلن الولايات المتحدة موقفاً محدداً من الوضع المتشكل». كذلك انتقد أردوغان، أيضاً، الموقف الإيراني، معتبراً أنّ «طهران لم تتخذ موقفاً محدداً من الأزمة السورية، ومن غير المقبول وغير المسموح أنّ إيران تبقى متفرجة على مقتل هذا العدد من المسلمين، وذلك يؤسفنا».
ومن جهة أخرى، أكد أردوغان أن أنقرة لن تسمح بإنشاء كيان منفصل للأكراد شمال سوريا. وأكد أنّ بلاده «لن تسمح بخرق مبدأ وحدة الأراضي السورية، فهذه الدولة مهمة جداً لنا، وإن حصل ذلك فإنّه سيؤدي إلى مشاكل جدية جديدة».
من ناحيته، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أنّ موسكو تلاحظ في الفترة الأخيرة بعض التطورات الإيجابية في مواقف المعارضة السورية. وقال غاتيلوف، في تصريح إلى وكالة «إيتار _ تاس» الروسية، إنّ «المعارضة تطرح شروطاً معينة لإطلاق الحوار، ولكن عدم رفض هذه الإمكانية (للحوار) الآن بحد ذاته يشير إلى أنّ المعارضة تعيد التفكير في تقويم الوضع». غاتيلوف انتقد الدول الغربية التي «اتخذت موقفاً مغايراً بعض الشيء. وشجعت (المعارضة السورية) بقدر معين على مواصلة النضال المسلح». كذلك صرّح أن موسكو لا تؤيد فكرة تقديم المعونات الإنسانية إلى سوريا عبر حدود دول أخرى، معتبراً أنّ «أيّ مساعدة إنسانية يجب أن تتحقق بموافقة السلطة السورية الشرعية».
في سياق آخر، انتقدت المفوضة العليا لحقوق الانسان، نافي بيلاي، فشل مجلس الأمن الدولي في إحالة الأزمة السورية على المحكمة الجنائية الدولية، بينما رأى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فوك جيريميك، من جهته، أثناء افتتاح الدورة السنوية الرئيسية لمجلس حقوق الانسان، «أنّ المجتمع الدولي لم ينجح في وضع حدّ للمذبحة». وفي كلمته في الجلسة، قال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، إنّ الوضع أصبح يشكّل تهديداً حقيقياً على الأمن والسلام الإقليميين.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، سانا)