بغداد | ترافق تبوء حيدر العبادي لمنصب رئاسة وزراء العراق، مع عودة سياسية غربية قوية، وإقليمية (خليجية)، على خط العلاقة مع بغداد، خلافاً للتراجع الملحوظ خلال الولاية الثانية لرئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، لأسباب باتت معروفة. وظهرت في الأسابيع الأخيرة سلسلة زيارات عراقية لدول الخليج، فيما تنتظر بغداد «قريباً» زيارة وفد سعودي، بحسب ما أعلنه الأسبوع الماضي وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل.
ويضاف إلى ذلك المشهد الزيارات المتبادلة بين أنقرة وبغداد، والتي قد يكون من أهم تداعياتها التوصل أخيراً إلى «اتفاق نفطي» بين الحكومة العراقية الاتحادية وإقليم كردستان، إضافة إلى حديث مبهم عن احتمال تدريب تركيا قوات أمن عراقية. وقد يندرج ذلك ضمن تدريب قوات «الحرس الوطني» المزمع تشكيلها قريباً، وهو الملف الذي تسعى واشنطن إلى وضع اليد عليه. وضمن ذلك المشهد أيضاً، الترحيب المعلن ــ المبالغ به ــ الذي لقيه العبادي خلال زيارته بروكسل، الأسبوع الماضي، للمشاركة في مؤتمر الدول الأعضاء في «التحالف الدولي».

استثمار محدود بخطاب «الإرهاب»

في حديث إلى «الأخبار»، يقول المتحدث باسم مكتب رئيس الحكومة العراقية، سعد الحديثي، إن «الحكومة العراقية الجديدة، بدأت منذ تشكيلها بإعادة رسم أسس علاقاتها مع دول العالم، وخاصة دول المنطقة، التي يرغب العراق في تحسين علاقاته معها». ويرى الحديثي أهمية في أن «تكون هناك زيارات للمسؤولين إلى (تلك) الدول»، معرباً، في الوقت ذاته، عن أمله بأن تكون وعود الدول التي أبدت نيتها لتحسين علاقاتها مع العراق «جدية».
عموماً، قد يكون من المبكر تحديد الأطر التي تتحرك ضمنها علاقات بغداد مع محيطها، لكن الأكيد أنّ هناك من لن يسمح للعاصمة العربية بأن تستعيد دورها الوازن في منطقتها، برغم كل الغزل بالحكومة الجديدة. وفي ظل تغييب عدد من النقاط الخلافية عن الأحاديث الدبلوماسية المتمحورة حول العراق ودوره، تطغى الأحاديث عن الحرب المزعومة على تنظيم «الدولة الإسلامية».
إياد علاوي يزور قطر لمناقشة ملف المصالحة الوطنية
في العراق

وخلال زيارته، في اليومين الماضيين، للعاصمة البحرينية، المنامة، للمشاركة في «منتدى حوار المنامة»، أعرب وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، عن تطلع بلاده إلى «فتح صفحة جديدة للعلاقات مع دول الجوار وخاصة الخليجية». واعتبر الجعفري، الذي وصل مساء أمس إلى طهران للمشاركة في موتمر «عالم ضد العنف والتطرف»، أن الأصل أن يكون هناك تطابق في وجهات النظر بين الجانبين حول «التحديات الإرهابية».
ومن ضمن الاحتفاء، المستجد، بالسلطات العراقية، يقوم رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بزيارة خلال منتصف الشهر الجاري لدولة الإمارات، التي كانت قد صنفت، قبل أيام، جهات عراقية على قائمة «التنظيمات الإرهابية».
ولا يغيب دور شخصيات مثل نائب رئيس الجمهورية العراقية، إياد علاوي، عن المشهد. فبعد زيارته الإمارات أخيراً، يبدو أن وجهته الجديدة هي قطر، وذلك ضمن جولة عربية تندرج ضمن أولوياتها مناقشة ملف المصالحة الوطنية في العراق. وكان علاوي قد تسلّم، رسمياً، قبل أيام، ملف المصالحة الوطنية.

العلاقات مع السعودية وقطر

لن تقف الزيارات العراقية لدول الخليج عند هذا الحد، وخصوصاً للسعودية وقطر، اللتين كانتا مُتهمتين بدعم الإرهاب في العراق من قبل حكومة نوري المالكي.
مصادر خاصة تحدثت لـ«الأخبار» عن تحريك «ملف تبادل الأسرى» بين العراق والسعودية «كخطوة أولى بينهما، لتحسين العلاقات بين البلدين، وخصوصاً أن هناك العشرات من السعوديين المعتقلين في العراق بتهم تتعلق بقضايا الإرهاب، في وقت أن العراقيين المعتقلين في السعودية، والذين أعدم بعضهم في أوقات سابقة، كانت التهم الموجهة إليهم، التهريب والعبور غير الشرعي للحدود». وأشارت المصادر إلى أن «هناك تعاوناً عراقياً ــ سعودياً في ملف مكافحة الإرهاب، غير الذي يُعلن عنه في وسائل الإعلام، من حيث التحرك الميداني، والتواصل المستمر بين الأجهزة المعنية في البلدين، وذلك لوجود المئات من السعوديين في العراق، ويقاتلون في تنظيم ما يُعرف بدولة الخلافة». في غضون ذلك، هناك معلومات غير مؤكدة حتى الآن، تزعم «تزويد السعودية للعراق بأسماء الذين دخلوا إلى أراضيه بطرق غير شرعية». وكان رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، قد زار الرياض أخيراً، ومن بعده، رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، الذي زار الأسبوع الماضي قطر أيضاً، التي بدورها يبدو أنها ستفتح سفارتها في بغداد «قريباً»، بحسب مصادر.

بغداد بين طهران والرياض

لن تمتلك بغداد، في المدى المنظور، أدوات تسمح لها بالوقوف الثابت على خط العلاقة المتوترة بين طهران والرياض، لكن ذلك لا ينفي أن تموقعها على هذا الخط يحدّد، بشكل مهم، العلاقة بين العاصمتين. وخلال افتتاح الدورة العاشرة من «حوار المنامة»، عبّر وزير المال العراقي، هوشيار زيباري، عن الأسف حيال «غياب آليات دائمة» للحوار بين السعودية وإيران. ورداً على أسئلة حول «تدخل سلبي» منسوب الى إيران في عدد من الدول، أقر زيباري بوجود «نفوذ إيراني في العراق» لكن «يجب التفريق بين النفوذ ومصادرة القرار»، داعياً، في سياق حديثه، إلى إنشاء منظومة تعاون تضم إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي الست. وقال زيباري إن «بإمكان العراق أن يكون جسراً» لإقامة علاقات أفضل بين الولايات المتحدة وإيران ودول المنطقة، لكن «لم يطلب أحد منا القيام بوساطة».
عموماً، لم تحدد، يوماً، حكومة عراقية في ما بعد 2003، سياساتها الخارجية بمعزل عن تفاعلات الخريطة السياسية الداخلية. ولم تتحد يوماً سياسات بغداد الخارجية بمعزل عن مآلات الكباش الخفي بين واشنطن والقوة الإقليمية، طهران، ليكون السؤال الأبرز: أين حدود الاحتفاء؟