غزة | في الوقت الذي تُجمع فيه المصادر الإسرائيلية على قرب نهاية المناورة البرية المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر في قطاع غزة، وتزيد فيه التكهّنات حول شكل «المرحلة الثالثة» المرتقبة من الحرب، والتي قالت قناة «كان» الإسرائيلية إنها ستتيح للجيش مواصلة القتال بشكل مختلف، وإن النسق القتالي سيتأثر بصفقة التبادل المتوقّعة، يرى أكثر من محلل عسكري إسرائيلي، أن اتخاذ هذا القرار جاء في إطار الحرص على عدم توسيع الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان، وأن أهم ملامح ذلك النسق، هو المحافظة على احتلال «محور نتساريم» الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، و«محور فيلادلفيا» الحدودي مع شبه جزيرة سيناء، في إطار استمرار الضغط على حركة «حماس» لإجبارها على القبول بصفقة التبادل.وتعتبر المقاومة أن أي تغيير في الخطط القتالية الإسرائيلية، يتجه فيه جيش الاحتلال إلى زخم أقل من العمليات البرية، هو اعتراف بحقيقة لا يمكن تغطيتها، وهي التراجع عن أهداف الحرب الكبرى، التي أثبتت عدم واقعيتها، حيث سيجد العدو نفسه مجبراً بعد شهر أو حتى عام كامل، على التفاوض مع حركة «حماس» التي يزعم أنه انتهى من القضاء على هيكليتها العسكرية، وستعمل «المرحلة الثالثة» على «اجتثاث فلولها»، وفق ما قال وزير الحرب، يوآف غالانت. أما في الميدان، فإن المقاومة وجيش الاحتلال كليهما يدركان أنهما سيكونان أمام مرحلة لا يتوفر فيها النسق القتالي الذي يسمح بإيقاع الأذى، حيث سيخفّض الجيش عديد ألويته المقاتلة، وستفقد المقاومة ميزة الالتحام المباشر والقتال في الحواضر العمرانية، التي أثبتت المعارك أنها قاتلت إلى جانب المقاومين، ومنحتهم ميزة التخفّي والترصّد والانقضاض ونصب الشراك والكمائن.
«المرحلة الثالثة» اعتراف بحقيقة لا يمكن تغطيتها، وهي التراجع عن أهداف الحرب الكبرى


وأمام هذا الواقع، يمتلك جيش الاحتلال سلاح الجو، الذي يطبّق في كل مناطق شمال القطاع منذ أشهر، نموذجاً من الشكل المتوقّع للقتال، حيث يركّز على اغتيال العناصر الفاعلين في المقاومة، والشخصيات المؤثّرة في القطاع الخدماتي والإداري في «حماس». أما المقاومة، فسيترك لها العدو محورين للاستنزاف والمشاغلة، هما الشريط الأوسط للقطاع الممتد من موقع «ناحل عوز» شرق المحافظة الوسطى، وحتى شاطئ بحر منطقة النصيرات، ومدينة الزهراء، إذ بنى جيش الاحتلال هناك عدداً من المواقع المستحدثة، ثم بدأ منذ أشهر يزيد قطر المساحات الفارغة المحيطة بها، لحرمان المقاومة من القدرة على تنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ الموجّهة، ولا سيما مقذوف «الياسين 105» و«آر بي جي»، فضلاً عن «الكورنيت»، الذي لم يلعب حتى هذه المرحلة من عمر الحرب، دوراً محورياً في محاور القتال، بالنظر إلى ثقل وزنه وصعوبة نقله، والخشية من خسارته في حال استخدامه، وهو سلاح عزيز وغالي الثمن، يبدو أن المقاومة قد ادّخرته لذلك الوقت المرتقب. ووفقاً للمعلومات المتوفرة عن قدرات هذا السلاح، فإن النسخة الروسية منه، والنسخ الصينية الأكثر قدماً الشبيهة به، تستطيع استهداف آليات الاحتلال من مسافة تتجاوز الـ3 كيلومترات، ما يعني أن تلك الأسلحة، في حال استطاعت المقاومة المحافظة على سلامة مخزونها منها، ستلعب دوراً لافتاً في المرحلة المقبلة. أما بالنسبة إلى التكتيك القتالي، فإن أصعب البيئات الميدانية التي يعمل المقاتلون فيها في ظروف انكشاف كامل، سجّلت مفاجآت مدهشة، وهو ما أظهره كمين النابلسي عشية عيد الأضحى، حيث نصب المقاومون شراكهم النارية في منطقة ساقطة أمنياً وعسكرياً ومكشوفة تماماً لجيش العدو، ونجحوا، على رغم كل الظروف المحيطة بهم، في توجيه ضربات موفّقة أوقعت خسائر بشرية في جنود الاحتلال.
بالنتيجة، من المفهوم أن المرحلة المقبلة ستشهد كثافة في عمليات الاغتيال من الجو، ما يعني أن البنية البشرية للمقاومة ستكون عرضة لاستنزاف حادّ على صعيد الكوادر، لكنها في نهاية الأمر، ستكون نموذجاً لحروب الاستنزاف، التي لا خاسر فيها إلا الجيوش النظامية، إن كان خصمها عصابات يقاتل مقاوموها في مجموعات تعدادها أقل من أصابع اليد الواحدة.