غزة | في ممرات مركز إيواء «عمرو ابن العاص» في منطقة أبو اسكندر شمالي مدينة غزة، تنتشر مواقد النيران ومن خلفها النسوة. منهن مَن يقمن بطهو الطعام، فيما أخريات يحضرن الخبز على المقلاة، بينما تخبز مجموعة ثالثة المعجنات في فرن الغاز الذي حوّلته إلى الحطب، في محاولة للتعايش مع الوضع القائم في ظل انقطاع غاز الطهي منذ ما يقارب التسعة أشهر عن محافظتَي قطاع غزة وشمالها.وتشكو ولاء الترامسة (23 عاماً)، الأم لطفلين، في حديث إلى «الأخبار»، معاناتها، بعدما انقطع غاز الطهي، إذ تقول: «رغم أنني ما زلت في سن صغيرة، إلا أن الأمراض غزت جسمي جراء الاستخدام المتكرّر واليومي للنار، فأصبحت لديّ مشكلات في أعصاب اليدين والقدمين، وكذلك في الصدر نتيجة الدخان الذي نستنشقه أثناء طهي الطعام». وتتابع: «لم نعد نشكو من أزمة الغاز وعدم توافره بعدما اعتدنا ذلك، ولكن المشكلة الآن هي عدم توافر الحطب، ما يدفعنا إلى شرائه، وبالتالي الاستغناء عن إشعال النار إلّا للضرورة، كالطبخ». وتلفت إلى أنه تم الاستغناء عن إشعال النار لتسخين مياه الاستحمام، «ما أدى إلى إصابة أطفالي بالأمراض بسبب برودة المياه، وعدم تحمُّلهم لها».
وفي المركز ذاته، تجلس إخلاص عبيد (28 عاماً)، وأمامها موقد النار وقد غطّى وجهها احمرار من شدّة الحرارة. تقول، لـ«الأخبار»: «حسبنا الله في مَن كان السبب في منع الغاز عنّا ودفع بنا إلى هذا العناء، فقد أدى إشعال النار ودخانها إلى إصابة الكبار والصغار بالأمراض». وتضيف: «أعاني الآن من مشكلات في الجيوب الأنفية، وحساسية في الصدر، نتيجة الغازات السامة التي أتنشقها أثناء إشعال النيران، بالإضافة إلى حساسية في العيون، وإصابة يديّ بالأكزيما بسبب الجلوس المتواصل أمام النار». وتلفت عبيد إلى أن «الخشب لم يَعُد متوافراً كما في السابق، فاضطررنا، منذ أسابيع، إلى تقليص استخدام النار بجعل أيام الاستحمام متباعدة، ما أدى إلى إصابة أطفالي بالفطريات الجلدية، وسبق أن استخدمت المياه الباردة ما أدى إلى إصابتهم بنزلات برد شديدة، وبالتالي أصبحت خياراتنا صعبة وحياتنا متأزمة، والعالم يتفرّج علينا». ومن جهتها، تقول حنان الشوبكي (35 عاماً)، في حديث إلى «الأخبار»: «تعبنا والله تعبنا، ما ضلّ فينا حيل لإشي»، مضيفةً: «عينينا راحوا وأصابهم الحرقان والتهاب في الجفون وحساسية في الصدر وصداع مستمرّ لا توقفه سوى الحبوب المسكنة، ورغم ذلك نواصل العمل لعدم توافر غاز الطهي لنعدّ طعامنا وخبزنا كما يعدّه أيّ إنسان في العالم».
أما الرجال، فلهم حكاية أخرى، مع نفاد غاز الطهي، والذي دفعهم إلى الاحتطاب من الحدود الشرقية لمدينة غزة، بعد نفاد الخشب من المدينة نفسها، ما أدى إلى إصابة عدد منهم جرّاء استهداف الاحتلال الإسرائيلي لهم. ومن بين هؤلاء، يوسف عاشور (35 عاماً) الذي استهدفه الاحتلال بعدما انتهى من جمع الحطب، برصاصة في الرأس أدت إلى كسر جمجمته، وهو لا يزال يرقد في مستشفى «كمال عدوان» إلى أن يتم توفير عظام اصطناعية له. وعلى سرير آخر، يجلس محمد شويخ الذي أصيب أيضاً في رأسه وأنقذته عناية الله من موت محقَّق. يقول محمد، لـ«الأخبار»: «أرادت زوجتي إعداد الخبز ولا يوجد حطب في البيت، فتوجّهت إلى الأراضي الزراعية التي عرّفها الاحتلال لجمع الحطب، وبعد جمعي لحزمة كبيرة من الأخشاب وأثناء عودتي، بدأ قناصة الاحتلال يطلقون النار في اتجاهي، فأسرعت وأخذت الأرض ساتراً، ونتيجة استمرار إطلاق الرصاص من فوقي لما يقرب من نصف ساعة، قمت وإذا برصاصة تدخل وتخرج من رأسي، والحمد لله على كل حال».
وفي تعليقه على ذلك، يوضح الناطق باسم المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «محافظات قطاع غزة تحتاج إلى 100 شاحنة من غاز الطهي يومياً»، لافتاً إلى أنه «مع اشتداد حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة وإغلاق المعابر، منع الاحتلال الإسرائيلي دخول غاز الطهي إلى القطاع بشكل كامل»، مضيفاً أن «مئات آلاف العائلات يقومون بطهي الطعام على الحطب (...) لسد جوع أطفالهم». ويصف ذلك بأنه «مكلف جداً، لِما له من تأثير على السيدات اللواتي يشرفن على ذلك الأمر من الناحية الصحية وإصابة عدد منهن بأمراض في الجهاز التنفسي». ويشير إلى أنه «قبل أسبوع، سمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخال ثلاث شاحنات من غاز الطهي إلى محافظات جنوب قطاع غزة، لا تلبّي حاجة السوق ولا 1% من حاجة السكان»، مطالباً المؤسسات الدولية بالضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال غاز الطهي الذي هو حقّ من حقوق الإنسان، معتبراً منعه «جريمة ضدّ الإنسانية».