طولكرم | شهدت مدن ومخيمات الضفة المحتلة على مدار 51 يوما من الحرب على قطاع غزة تظاهرات احتجاجية، تحول جزء كبير منها إلى مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأدت إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات. هذه التظاهرات لم تكن ردا على ما حدث في غزة على وجه الخصوص، فهي امتداد لحالة من المواجهة المستمرة مع الجنود والمستوطنين، لكنها اشتدت خلال الحرب.ومنذ انتصاف العدوان، رصدت عمليات إطلاق نار متفرقة على حواجز عسكرية ونحو مستوطنات إسرائيلية، لكن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها رسميا عن هذه العمليات. وقبل أيام وقع انفجار في محطة انتظار حافلات للمستوطنين قرب مدينة نابلس، لم تتضح ملابساته، هل هو جنائي أم ضمن السياق نفسه. وعلى ضوء ذلك يطرح سؤال مفاده: هل يمكن تصنيف ما يجري على أنه بداية مواجهة حقيقية؟

يرى المحلل السياسي، جهاد حرب، أنه لا بوادر جدية حالياً لمقاومة مسلحة في الضفة، التي يسيطر الاحتلال عليها كلياً، إلى جانب عمل السلطة الفلسطينية خلال السنوات الماضية على ضمان عدم تغييب أي قوة مسلحة عن الساحة. ويقدّر، في حديث مع «الأخبار»، أن نشوء حالة مشابهة لما في 2002 شبه مستحيل، «وكل ما هو قائم هو التظاهرات الشعبية وإلقاء الحجارة، ضمن ما يمكن تسميته مقاومة شعبية، لكنها تحتاج إلى تطوير وقيادة سياسية ترعاها».
ويقول حرب إن التوجهات نحو صدام مسلح بين الفلسطينيين والاحتلال غير متوافرة، «لكن لا يمكن نفي حدوث ذلك، وخاصة مع ظهور تطورات غير محسوبة».
وخلال العدوان على غزة وبعده، لم يتوقف الاحتلال عن حملته العدوانية في الضفة، إن كان ذلك باستمرار الاعتقالات، أو الإهانة على الحواجز، كما وسع قرارات مصادرة الأراضي لقهر الأهالي أكثر، وهي سياسة لم تختلف عما يفعله منذ عام 1967. هنا يركز حرب على أن سياسة رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، صارت واحدة من اثنتين، «إما الذهاب إلى قتل الفلسطينيين في غزة، أو توسيع الاستيطان في الضفة وضرب السلطة بتقليص صلاحياتها خاصة في مناطق (أ)».
وكان مروان البرغوثي أول قيادي في حركة «فتح» يدعو أبناء حركته صراحة إلى «التشمير عن سواعدهم والانخراط في أوسع مقاومة شاملة»، وكان قد أطلق دعوته في اليوم الخامس والأربعين للعدوان على غزة. والبرغوثي كان أمين السر لـ«فتح»، وهو محكوم بخمس مؤبدات و40 عاماً، وانتقد في رسالة من سجن «هداريم» الإسرائيلي «غياب المقاومة الفعالة في السنوات العشر الأخيرة، لذلك استفاد الاحتلال».

لم تعلن أي جهة فلسطينية مسؤوليتها عن استهداف الحواجز والمستوطنات



أما عن صحة هذه الرسالة التي نشرتها وسائل إعلام محلية، فأكدتها زوجته فدوى البرغوثي، التي قالت لـ«الأخبار» إن رسالة مروان موجهة إلى أبناء «فتح»، مضيفة: «وصل نصّها إلى الحركة ومفوضية التعبئة والتنظيم رسميا».
في السياق، يرى القيادي في «فتح»، قدورة فارس، أن رسالة البرغوثي دعوة صريحة للدخول في حالة مقاومة ضد الاحتلال «لكن دون تحديد طريقة نضالية بعينها». وأكد فارس، في حديثه لـ«الأخبار»، أن الأوضاع في الضفة توجب مواجهة كبيرة بعدما قضت إسرائيل على العملية السياسية. مضيفا: «كوادر فتح يعلمون أن حركتهم أسست للنضال والمقاومة من أجل الحرية والاستقلال».
برغم ذلك، فإن القيادي الفتحاوي لم ير في رسالة البرغوثي دعوة إلى كفاح مسلح «مع أن الحركة لن تتأخر كثيراً، وستدخل في حالة مقاومة، لكن نوع هذه المقاومة ستحدده الظروف».
ويتعارض تقويم فارس مع رأي المحلل السياسي، عبد الستار قاسم، الذي لمس في الرسالة دعوة إلى الكفاح المسلح. ويشرح قاسم بالقول: «الفتحاويون برغم أنهم يريدون أن يستأثروا بالتاريخ الفلسطيني فإنهم يقفون جانباً الآن، ولا صولة لهم ولا جولة في الساحة، فيما من يصنع التاريخ في هذه المرحلة حركتا حماس والجهاد الإسلامي»، مستدركا: «في الوقت الذي دار فيه القتال في غزة، كانت فتح تنسق أمنياً مع إسرائيل».
ومجّد الأسير البرغوثي، المقاومة في غزة، ورأى أنها تخوض «المعركة الكبرى»، كما وجه انتقاداً لاذعاً إلى السلطة، قائلاً في رسالته: «لن يكون سقف فتح أبداً سلطة منزوعة السيادة».
تعليقاً على ذلك، قال قاسم إن السلطة لن تكون سعيدة بهذا الكلام، «لأنها وعددا من دول العرب تعمل في منطق العداوة للمقاومة، وكلها لا تريد رؤية مقاومة على الساحة العربية، أكان في فلسطين أو لبنان». بناء على ذلك، استبعد أن يُستجاب لدعوة البرغوثي من حركة فتح «التي دمرتها السلطة ونزعت سلاحها».
وبعد العدوان على غزة انخفضت وتيرة التظاهرات في الضفة، بعدما سجلت أكبر وأعنف اشتباك في «مسيرة 48 ألف»، التي ذكرها البرغوثي في رسالته كمثال على «الحركة الشعبية» و«الوحدة والتلاحم الفلسطيني». وتلك المسيرة انطلقت من رام الله نحو حاجز قلنديا الإسرائيلي في الرابع والعشرين تموز الماضي بآلاف الشبان الذين شكلوا أكبر حشد محتج على الحرب، واستشهد فيها شاب، فيما أصيب مئات بينهم من تلقى إصابات خطيرة في الرأس والعين.
وتباعا، شهدت الضفة عمليات إطلاق نار متفرقة على حواجز عسكرية إسرائيلية، منها ما استهدف حاجز قلنديا، فيما أطلق الرصاص على مستوطنة «شافي شمرون» المقامة على أراضي مدينة نابلس، وأيضا على مستوطنة أريئيل في رام الله، كما شهد حاجز الجلمة، قرب جنين، انفجار عبوة ناسفة محلية الصنع.
ومطلع الشهر الماضي استشهد المقاوم والمطارد زكريا الأقرع في إحدى قرى نابلس، بعد اشتباك مسلح مع جنود الاحتلال، الذين اقتحموا القرية لتصفيته، واشتبكوا معه ثم فجروا المنزل الذي تحصن فيه بالقذائف.