بغداد | قبل نحو ستة أشهر، أصاب أكثر من 650 ألف موظف في إقليم كردستان دوار شديد بعد توقف رواتبهم، إثر قطع الحكومة الاتحادية في بغداد رواتبهم، بعد الخلافات التي نشبت بين أربيل وبغداد بشأن ملف النفط.
يومها مرر البرلمان العراقي الموازنة المالية لعام 2013، لأول مرة، من دون كتلة التحالف الكردستاني، التي انسحبت من جلسة التصويت، وأدت الأزمة يومها إلى تعليق الوزراء الكرد عضويتهم في مجلس الوزراء، لأن الموازنة لم تتضمن مستحقات الشركات النفطية الاستثمارية في كردستان، ولم يُتَّفَق على النسبة الكلية المخصصة لحكومة الإقليم.
اليوم، يتفاءل الأكراد بمرحلة جديدة من العلاقات السياسية مع الأطراف القيادية في بغداد، وربما عودة التحالف الاستراتيجي مع التحالف الوطني، والقوى الشيعية البارزة، ولا سيما بعد موافقة الأكراد على المشاركة الفاعلة في حكومة حيدر العبادي.
وعلى الرغم من كل التنازلات التي يقدمها التحالف الوطني والقوى السياسية للأكراد، إلا أن ذلك لن ينهي نزعة الانفصال الكردية، فالشارع في الإقليم، وبعد قطع رواتب 650 ألف عائلة كردية، يشعر بعدم انتمائه إلى بغداد، معتبراً قرار قطع «مصدر الرزق» أنه يحمل نيات سيئة إزاء أهالي كردستان، ولا سيما أن الأكراد لا يزالون يحملون في ذاكرتهم سياسات بغداد «الإجرامية» بحقهم في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ بينما القادة في الإقليم لا يزالون يمهدون لمرحلة تسود فيها قناعات لدى الأطراف الدولية، للسماح لكردستان بتقرير مصيره.

حصل التحالف الكردستاني على ضمانات لإمرار قانون النفط

وتشهد المفاوضات بين التحالف والوطني والتحالف الكردستاني تقدماً في تسوية النقاط الخلافية باستثناء نقطتين يعمل على تذليلهما، بحسب ما كشف رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم.
واشترط «التحالف الكردستاني» على التحالف الوطني في المفاوضات منح الأكراد وزارة المالية، وتجاوز «حقبة نوري المالكي»، بإصلاح النظم والآليات المتبعة في اتخاذ القرار الحكومي، الأمر الذي يمنح الوزير الجديد جزءاً من صلاحيات دفع المستحقات، وعدم تكرار الأزمة التي رافقت الإقليم نتيجة إيقاف رواتب موظفي الإقليم.
وانطلقت المفاوضات بين أطراف التحالف الوطني والتحالف الكردستاني، على وقع اتفاقات سرية تضمنت منح وزارة المالية للكردستاني، بدلاً من الخارجية.
ويدرك الأكراد أن وزارة المالية كان لها دور بارز في إيقاف رواتب موظفي الإقليم، وصرف الموازنات المالية، وتقسيمها، وتنظيمها، على الرغم من خلو العراق من أي إحصائيات سكانية دقيقة، ولا سيما أن التحالف الوطني منح ضمانات كبيرة لكتلة التحالف الكردستاني، لدرجة أنه دخل في وساطات بين التحالف الوطني واتحاد القوى الوطنية، عندما أعلن الثاني تعليق مفاوضاته لتشكيل الحكومة على خلفية حادث مسجد مصعب بن عمير.
التحالف الكردستاني الذي حصل على منصب رئيس الجمهورية، ونائب رئيس برلمان، سيكون له نائب لرئيس الوزراء أيضاً، فضلاً عن وكلاء ومديرين عامين في جميع الوزارات السيادية والخدمية، ولا سيما النفط والخارجية، إضافة إلى مناصب في غاية الأهمية في الوزارات الأمنية، كوكيل وزارة داخلية، ورئيس أركان الجيش، وقادة فرق وألوية عسكرية عديدة. إلا أن رئيس الوزراء نوري المالكي كان قد جمدهم وجردهم من صلاحياتهم جميعاً، خلال السنوات الأربع الماضية. لكن «الضمانات» على ما يبدو، ستعيد الصلاحيات إلى القادة الكرد من جديد، وبذلك سيكون للكرد حضور فاعل في جميع مفاصل الدولة.
لم يعد «تحالف الكردستاني» بحاجة إلى وزارة الخارجية التي منحت له طوال السنوات الثماني الماضية، بعد أن أشبع رغبته في تمثيل العراق خارجياً، وأسهم الوزير هوشيار زيباري في فتح قنصليات وممثليات لمعظم دول العالم في أربيل. كذلك فإنه لا يرى حاجة للوزارات الأمنية السيادية (الدفاع والداخلية)، وهو ينوء بنفسه بعيداً عن الانتكاسات الأمنية التي عاشتها بغداد ومحافظات الشمال والجنوب حتى قبل العاشر من حزيران (سقوط الموصل).
كذلك أبعد التحالف الكردستاني نفسه عن وزارة النفط، بعد أن حصل على ضمانات لإمرار قانون النفط والغاز خلال الدورة البرلمانية الحالية، ليكون كفيلاً بحل الخلافات بشأن ملف النفط بين الإقليم والمركز.
وفي أولى جولات المفاوضات السياسية، كان التحالف الوطني قد اقترح إنشاء قيادة أمنية محترفة تضم جميع المكونات، لإدارة الملف الأمني للبلد بصورة مشتركة، وتجاوز إخفاقات المرحلة الماضية، ليكون للتحالف الكردستاني قرار أمني في هذا الإطار، وعدم شعور بالتهميش والإقصاء والانعزال، إضافة إلى هيئة استشارية يشارك فيها الجميع، للاطلاع على آلية صنع القرار واتخاذه.