الحسكة | أدّى ارتكاب الفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا، في الأيام الماضية، جريمة قتل 4 شبّان قاموا بإضاءة شعلة «النوروز» في بلدة جنديرس في ريف حلب، إلى موجة احتجاج وغضب في صفوف الأكراد في منطقة عفرين وأريافها. إذ طالب هؤلاء بمحاسبة مرتكبي الجريمة، ووقْف عمليات التغيير الديموغرافي التي تقودها تركيا في المدن الكردية، منذ احتلالها إيّاها في العام 2018. وكسرت هذه الموجة الصمت المستمرّ في تلك المنطقة منذ نحو خمس سنوات، لتتحوّل مراسم تشييع الشبّان المقتولين، إلى تظاهرة طالبت بإخراج الفصائل المسلّحة من المدن والبلدات التابعة لعفرين، وناشدت قادة «إقليم كردستان» التدخّل لدى تركيا لوقف الممارسات العنصرية ضدّ الأكراد.وعلى إثر ذلك، سارع رئيس حكومة «إقليم كردستان - العراق»، مسرور برزاني، إلى إصدار بيان دان فيه الجريمة، داعياً إلى «محاسبة الجناة»، فيما اعتبر «الائتلاف السوري» المعارض أن «حالة القتل الجماعي التي حصلت في جنديرس، حادثة استثنائية، ارتكبها أفراد مسلّحون»، مضيفاً أن «مناطق الكرد المحرّرة تشهد احتفالات بعيد النوروز من دون أيّ عقبات». أمّا «هيئة تحرير الشام» فرأت في الحادثة فرصة مناسبة للسيطرة على جنديرس، لترسل على عجل أرتالاً عسكرية باتّجاه البلدة، بهدف السيطرة عليها، وطرد عناصر «جيش الشرقية» منها، ضمن مخطّطها الأكبر الهادف إلى السيطرة على كامل أرياف منطقة عفرين في الريف الشمالي لحلب. ونجحت «الهيئة»، بالفعل، في دخول البلدة من دون قتال، بعد انسحاب «الشرقية» منها، واستولت على المقرّات الرئيسة، وقامت بنشر عناصر من «جهاز الأمن» التابع لها هناك. كما استثمر زعيم «تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، الواقعة، ليتعهّد أمام عدد من العوائل الكردية التي فرّت من جنديرس نحو بلدة أطمة، بعد حادثة القتل، بـ«وقف كلّ الاعتداءات على الأكراد وممتلكاتهم في المنطقة، منذ الآن وصاعداً»، متوعّداً «مرتكبي الجريمة بالمحاسبة»، داعياً «الأهالي الفارّين إلى العودة إلى منازلهم، بعد سيطرة الهيئة على البلدة».
يحرص الجولاني على الظهور بمظهر الاعتدال تجاه مَن تبقّى من أكراد في عفرين


ويبدو أن الجولاني يحرص على الظهور بمظهر الاعتدال تجاه مَن تبقّى من أكراد في هذه المنطقة، ضمن محاولاته المستمرّة لفرض حُكمه على كامل المناطق التي تسيطر عليها تركيا، ومحو الصورة السابقة لـ«الهيئة» (جبهة النصرة سابقاً)، التي ارتكبت مجازر عديدة بحق الكرد في أرياف الحسكة وحلب. وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر ميدانية من عفرين، لـ«الأخبار»، أن «فصيل جيش الشرقية طالب الأكراد في جنديرس، بضرورة الامتناع عن القيام بأيّ مظاهر احتفالية في البلدة، بسبب وجود حالة حزن عامة لدى أهالي ضحايا الزلزال»، مشيرةً إلى أن «عدداً من الأهالي قاموا بإضاءة الشموع أمام منازلهم، مع قيام عدد من الشبان بإضاءة شعلة النوروز كتقليد كردي سنوي، ما لاقى قمعاً مباشراً من عناصر جيش الشرقية، الذين قاموا بتصفية الشبان بإطلاق الرصاص المباشر عليهم».
في المقابل، وللعام الثاني على التوالي، أقام عدد من أنصار «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي احتفالاً بعيد «النوروز»، في منطقة وادي المشاريع، رافعين العلم السوري، وصور زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبدالله أوجلان، وأعلام «إقليم كردستان - العراق». أمّا في مناطق سيطرة «قسد»، فقد انتشرت أنباء عن نيّة «الإدارة الذاتية» إلغاء الاحتفالات بـ«النوروز» في عموم مناطق سيطرتها، حداداً على قتلى الزلزال الأخير الذي ضرب مناطق في شمال غربي البلاد، إلّا أن الإدارة لم تُقدم على خطوة كهذه. وفي الحسكة، انعكست حالة الانقسام السياسي على العيد، من خلال إقامة احتفاليّتين مركزيّتين، الأولى لأنصار حزب «الاتحاد الديموقراطي»، أو ما يعرف بـ«الآبوجية»؛ والثانية لأنصار «المجلس الوطني الكردي»، أو ما يعرف بـ«البرزانية».