بغداد | المعارك التي جرت في الثاني من آب بين تنظيم «الدولة الإسلامية» وقوات البشمركة، في مناطق زمار وربيعة وسنجار، لم تكن مفاجئة للبشمركة؛ فقد مهدت لها خلايا «الدولة» منذ بداية عملية تهجير المسيحيين من نينوى، حيث نُصبت سيطرات مجاورة لتلك السيطرات التي تقيمها قوات البشمركة.
وكان من المفترض أن تبدأ الأجهزة الاستخبارية الكردية بدراسة الأساليب العسكرية التي تتبعها القوات القتالية لتنظيم «الدولة»، ومعرفة ثغرها ونقاط قوتها وضعفها، وأيضاً كان لديها الكثير من الوقت لإتمام عمليات اختراق وتجنيد بعض قادة التنظيم، لكن ما حدث هو أن تلك الأجهزة الاستخبارية، تعاملت مع تلك القوات بتعال واستخفاف، ولم تتعامل معها على أنها قوة لها أبعادها العقائدية، التي لا ينبغي الاستهتار بها، ولديها قدرة على محاكاة القوات النظامية، بما لديها من عقيدة وقضية ومنهج متطرف، يموت من أجله عشرات الآلاف من الشباب المتحمس.
التكتيك العسكري الذي تتبعه «الدولة الإسلامية»، يتلخص في إيقاظ الخلايا النائمة بعد مباشرة القوة القتالية الخاصة باقتحام تلك القرى أو المدن، ثم تسيطر الخلايا التي استيقظت على كل المهمات والوظائف الأمنية والعسكرية والإدارية لتلك المناطق، وتعمل على إضعاف الدور المسلّح للفصائل الأخرى والحد من تأثيرها، وصولاً إلى دور فرض البيعة للبغدادي، أو القضاء على الممتنعين. وأيضاً تهميش دور الخطباء والعلماء الشرعيين، وخاصة الذين لم يبايعوا البغدادي، حيث يجري تهجيرهم أو قتلهم تحت غطاء أمني صارم، ويعتقلون الناس بمجرد التوقعات، أو حتى التهم غير الثابتة، مع السماح للمحاكم الشرعية بالاجتهاد بأموال الناس ودمائهم!!
أفول التدخل الأميركي المباشر في أحداث العراق منذ بداية معارك الأنبار، يزيد من حماسة وتطلعات «الدولة» في السيطرة والاستحواذ على مناطق وثروات شمال وغرب العراق، ويفتح الباب على مصراعيه لتوسعها وتمسكها بتلك الأراضي.
والاهتمام الأميركي في العراق يتمحور حول إجهاض محاولات التنظيم في احتلال مطار بغداد والمنطقة الخضراء، وبعض الوزارات الأمنية والمدنية السيادية، وإعادة هيكلة وتوزيع التشكيلات الأمنية والعسكرية على كافة الفئات العراقية، وربما غطاء جوي، مع مستشارين عسكريين، ودعم تقني في مجال التصوير الجوي والاتصالات، وبيع بعض الصواريخ والقنابل التي تمنع عناصر «الدولة» من استخدام الدروع التي اغتنموها في العاشر من حزيران.
تصريح رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أثناء زيارته مخيمات اللاجئين في أربيل، بأن قواته قد تعبر حدود المناطق المتنازع عليها لطرد تنظيم الدولة الإسلامية ولحماية الأقليات، يؤكد أنه هو من بدأ الحرب ضد التنظيم، ويؤكد أيضاً أن المنطقة متجهة نحو مسلسل يشبه ما حدث في الأنبار!
البرزاني نظّم أول مؤتمر للمعارضة والفصائل السنية في أربيل بعد أحداث نينوى، وكان ذلك مؤشرا على دوره القيادي في توجيه الحراك السني السلمي والمسلح، بما يخدم مشروع الإقليم الكردي، وبما يحقق الإقليم السني المرتقب.
عناصر البشمركة القدماء أصحاب قضية، وقد وقعوا ضحية ظلم وتآمر واستغلال دولي وإقليمي، وهم يفضّلون الابتعاد عن أي تصادم مع «الدولة»، والبشمركة لا تتحمل فتح جبهات متعددة وداخلية جديدة.
التنظيم يعمل على معالجة الخلاف بينه وبين الأكراد بالطريقة التالية؛ مشكلة الأكراد الموالين للبرزاني يجب أن يتعامل معها الأكراد الموالون لـ«الدولة»، حتى لا تستغل الحمية القومية في جر الأكراد لقتال العرب. ولهذا نحن بانتظار أن تعيّن «الدولة» والياً كردياً على مناطق سهل نينوى.
وبناءً عليه سوف يعمل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، على توجيه ضربات نوعية لحكومة البرزاني في أمنها وعسكرها واقتصادها، وبواسطة الأكراد الموالين له.
وهناك من يقول بوجود العديد من الخلايا النائمة لـ «الدولة الإسلامية» في أربيل ودهوك، ولهم استثمارات ومكاتب لإدارة غسيل الأموال.

ولعل من آثار هذا الصدام بين الأكراد ودولة البغدادي، أن يسعى الأكراد في إقليم كردستان إلى تشديد الإجراءات على الوافدين العرب، وهذا سوف يضرب اقتصادهم الذي يستند ازدهاره على السياحة العربية في الإقليم.

وربما تلجأ حكومة كردستان من خلال أجهزتها الأمنية، إلى عقد هدنة مع «الدولة»، بعد أن تحاول استعمال بعض العشائر العربية والفصائل المسلحة في سهل نينوى ضد «الدولة» وليس لها من سبيل إلا هذا، والكرد لديهم تجربة قديمة مع أنصار الإسلام.


تُنشر بالتعاون مع موقع «واي نيوز»