رام الله | لم يتأخّر الردّ الفلسطيني المتوقّع على مجزرة أريحا التي اغتيل فيها 5 مقاومين وأصيب آخرون. إذ مرّة أخرى، جاء الثأر لشهداء فلسطين من مدينة القدس المحتلة، بعملية دهس نوعية في حي راموت الاستيطاني، الذي يقطنه المستوطنون المتطرّفون، لتسفر العملية عن مقتل اثنين من هؤلاء، وإصابة آخرين بجروح، بعضهم ميؤوس منها. وعلى رغم أن سلطات الاحتلال ومنظومته الأمنية والاستخبارية كانت تنتظر هذا الردّ، وأنها نبّهت عقب مجزرة مخيم عقبة جبر إلى أن «علينا الاستعداد لردّ انتقامي»، وعلى الرغم كذلك من الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها في مدينة القدس المحتلة، إثر هجوم حي «نافيه يعكوف» الذي قُتل فيه 7 مستوطنين، وتعزيز انتشار قوات الأمن في مدينة القدس، إلّا أن كلّ ذلك فشل في منع وقوع ضربة نوعية ثانية في القدس، ليسجّل فشلاً أمنياً جديداً لسلطات العدو. ولم تتأخّر تداعيات العملية، بل ظهرت تبعاتها الموجعة سريعاً على حكومة بنيامين نتنياهو، الذي أصدر قراراً فورياً بإغلاق منزل منفّذ عملية الدهس، الشهيد حسين قراقع من بلدة العيساوية، تمهيداً لهدمه. كما شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات في صفوف أقاربه وعائلته. وتستبطن هذه الخطوات المتعجّلة اعترافاً ضمنياً بفشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في قطع موجة العمليات الفدائية، وهو ما تجلّى أيضاً في قرار رئيس بلدية الاحتلال في القدس تحصين محطّات الحافلات في المدينة، في ما يعدّ التعبير الأوضح عن فقدان المستوطنين «الأمان»، والذي ترجموه بمهاجمة وزير "الأمن القومي"، إيتمار بن غفير، لحظة وصوله الى مكان الهجوم، حيث صرخوا في وجهه: «أين الأمن الذي وعدتَ به؟». وهو مشهد تكرّر عقب عملية القدس السابقة، في حين اتّفق غالبية المحللين الإسرائيليين على أن «الأمن في عهد (بن غفير) معدوم».
وفي تفاصيل العملية، يتّضح أن منفّذها، حسين قراقع، أراد ترجمة مقولة الشهيد باسل الأعرج الذي تأثّر به ووضع صورته على غلاف حسابه على موقع «فايسبوك»، ومفادها: «وظيفتنا أن لا نثأر فقط، وظيفتنا أن نُحسن الثأر»، بحذافيرها. إذ قالت مصادر عبرية إن قراقع راقب مكان التنفيذ، وانتظر حتى امتلأت محطة انتظار الحافلات على جانب الشارع بالمستوطنين، ومن ثمّ هاجمهم بقوة بسيارته، ما أدّى إلى إيقاع هذا العدد الكبير من الإصابات، قبل أن يُستشهد برصاص شرطة العدو والمستوطنين، وسط استنفار قوات الاحتلال في مدينة القدس، ووصول العديد من المسؤولين الأمنيين والسياسيين إلى المكان، وبينهم بن غفير الذي قرّر وضع حواجز حول العيسوية، وتفتيش كل شخص وكل مركبة. وبالتوازي مع ذلك، فرض جنود العدو حصاراً مشدداً على العيساوية، بينما قال بن غفير: «كنت أرغب في فرض إغلاق كامل، ولكن هناك قانون (...) أسعى إلى إقرار عقوبة الإعدام على المنفّذين، وفي الأسبوع المقبل أُجريت مناقشة حول قانون السلاح، يجب أن نتصرّف بحزم لحماية المستوطنين».
يجمع محلّلون على أنّ «الأمن في عهد (بن غفير) معدوم»


وتأتي عملية الدهس في حي راموت، في سياق الردود المتوقّعة على جرائم الاحتلال، وخاصّة بعد مجزرة أريحا التي اغتال جيش العدو فيها 5 مقاومين، واستشهاد الأسير أحمد أبو علي من الخليل صباح أمس، متأثّراً بسياسة الإهمال الطبّي والقتل البطيء في السجون. كما أن العملية تأتي في سياق التأكيد مجدداً أن خط الاشتباك الذي بدأ من جنين قبل عام، امتدّ إلى نابلس ووسط الضفة الغربية، ثم الى جنوبها ونحو القدس. ويجيء الهجوم الأخير في ذروة استنفار أمني تعيشه سلطات العدو، وعقب ساعات فقط من إعلان شرطة الاحتلال نيّتها تجنيد 4 سرايا احتياط تابعة لقوات «حرس الحدود»، لتعزيز عناصرها في المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، خلال شهر رمضان. وبحسب التلفزيون الإسرائيلي الرسمي، فإن "تقييماً جديداً للأوضاع الأمنية بيّن أن عدد الإنذارات بوقوع عمليات تضاعَف ثلاث مرّات في الأسابيع الأخيرة مقارنة بالفترة التي سبقتها». وأوضح التلفزيون أن عملية التعزيز هذه قد لا تقتصر على شرطة «حرس الحدود» في القدس، بل ربّما تشمل نشر المزيد من القوات التابعة لجيش الاحتلال في الضفة الغربية كذلك، مشيراً إلى أن المخاوف الرئيسة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتمثّل في أنه «خلال شهر رمضان ستمتدّ رقعة المواجهات إلى خارج الضفة الغربية وستصل إلى القدس».
وتُعاكس عملية الدهس في القدس المحتلة كل المساعي السياسية التي بُذلت في الأيام الماضية لتهدئة الاشتباك في الضفة الغربية، والتي قادتها الولايات المتحدة الأميركية، واستكملتها المخابرات المصرية، من خلال بحث ذلك مع حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». وبعيداً عن تلك المساعي، يبدو أن الشارع الفلسطيني الذي يعيش يومياً المجزرة الإسرائيلية المستمرة، بكل تفاصيلها، هو الأقدر وصاحب القرار في ذلك، وخاصة أن العمليات الفردية باتت هي ورقة «القوّة» للردّ على الاحتلال.