لا شروط
من الواضح أن إجراءات التسويات تتمّ بسهولة ويُسر. فجميع المتقدّمين يحصلون على الوثيقة المطلوبة مهما اختلفت تهمهم. حتى قاعدة «من لم تتلطّخ أيديهم بالدماء» سقطت في ظلّ تلك التسهيلات، حيث لا يحتاج المتقدّم إلّا إلى ملء الاستمارة بمعلوماته الشخصية، وإجابة اللجنة المختصة، التي تجمع بين الأمن والشرطة والقضاء العسكري، عن أسئلتها حول التهم الموجّهة إليه. هذا ما أكده عبدالله، الرجل الستّيني الشاهد على أحداث منطقة داريا وتسوياتها، قائلاً: «أعرف كلّ الذين حصلوا على تسوية، الكثير منهم برقبتهم دم»، ويضيف: «منهم مَن أصبحوا مجرمي حرب بعد انتهاء الاقتتال في المنطقة، حيث امتهنوا التهريب والسرقة والاستغلال وغير ذلك». وبرأيه، فإن الفئة القليلة التي تستحقّ المصالحة فعلاً، هم «من طُلبوا أمنياً بسبب تقارير ملفّقة أو من كانت مشاركتهم في الحرب من مبدأ مع السوق منسوق ثمّ تابوا بعد ذلك»، فيما معاذ مثلاً، الثلاثيني ابن المنطقة، جرمه «تهريب مازوت»، وقد حصل على «تسوية»، ويطالب بـ«كفّ بحث» ليعود إلى حياته الطبيعية.
من الواضح أن إجراءات التسويات تتمّ بسهولة ويُسر
ولم تشترط تسوية ريف دمشق تسليم السلاح على مَن تَعلم الدولة بحيازتهم له، كما حصل في محافظات أخرى كدرعا ودير الزور، وهو ما يعزوه البعض إلى رغبة الحكومة في إنجاح التسوية بسرعة وسلاسة، بالتالي تصدير صورةٍ من الاعتماد على «الحلول الداخلية» أوّلاً لتسوية الأزمة السورية. أما الأبعاد الأخرى لهذا الشكل من التعاطي، كما يراها أحد أبناء ريف القلمون، فتتّصل بـ«غربلة الناس والمحافظة على المؤيدين منهم فقط»، إذ يقول: «قد تكون خطّة من الممسكين بالقبضة الأمنية في البلاد للإيقاع بالمطلوبين، أو فتح المجال أمام مَن يرغب منهم للخروج من البلاد، الكثير من أبناء منطقتي المطلوبين لا يبحثون عن صُلح، وإنما عن فرصة للهرب».
وفي المقابل، يؤمن البعض الآخر أن التسويات والمصالحات المنتشرة بكثافة، مع اختلاف الإقبال عليها، هي مساعٍ حكومية جادّة لـ«لملمة» الشعب السوري تحت مظلّة واحدة، وإعادة المياه إلى مجاريها بين أبناء الوطن، مؤكّدين أن «الصلح هو سيد الأحكام» لحماية البلاد من السقوط مجدّداً في الحرب.