غزة | فتحت معركة «وحدة الساحات» شهيّة الاحتلال على المزيد من الاستثمار في سياسة التسهيلات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار الأمني. وفي آخر فصول تلك السياسة، جاء قرار جيش العدو منْح المئات من تصاريح العمل للنساء في قطاع غزة، والذي لم يحاول منسّق أعمال حكومة الاحتلال، غسان عليان، تغليفه بأيّ عباءة إنسانية؛ إذ قال في تصريح إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، إن الهدف من التصاريح الجديدة منْح الجمهور مزيداً من «المكاسب والفوائد» التي من شأنها أن تُعمّق «الفجوة بين المواطنين والمقاومة». ونقلت «القناة الـ12» العبرية، بدورها، عن «مسؤول أمني رفيع» أن عمليات إطلاق صواريخ لن تثني الجيش عن المُضيّ في مضاعفة التسهيلات المعيشية للقطاع، و«(أننا) لن نغلق المعابر في مواجهة كلّ هجوم». وبحسب القناة، فإن «إسرائيل تأْمل أن يساعد قرار التوسّع في التسهيلات في استقرار الأوضاع في غزة، وعزْل باقي مكوّنات المقاومة، لا سيما حركة حماس، عن مشاركة حركة الجهاد في التصعيد وجولات القتال». وكانت وسائل إعلام عبرية قد كشفت عن تَوجّه جيش الاحتلال، بقرار من وزير الأمن بيني غانتس، نحو تخصيص «حصّة تجريبية» من تصاريح عمّال غزة البالغة 14 ألفاً، للنساء، ستحدَّد ببضع مئات في المرحلة الأولى، على أن يجري تقييم آثارها لاحقاً للبتّ في توسيعها. وذكر أحد المسؤولين، وفق «يديعوت أحرونوت»، أن «حصّة عمّال غزة تبلغ حالياً 20 ألف تصريح، يدخل فعلياً منهم 14 ألفاً، ولا تُتوقّع زيادتها في الوقت القريب حتى يَظهر تقدّم في محاولات دفْع صفقة لإعادة الأسرى لدى حماس».
حصّة عمّال غزة تبلغ حالياً 20 ألف تصريح، يستفيد فعلياً منها 14 ألفاً

ويرى الباحث السياسي، مجد ضرغام، إن إسرائيل ستعمل، خلال الأسابيع المقبلة، على منْح المزيد من التسهيلات الاقتصادية لقطاع غزة، خصوصاً أن التقديرات الأمنية لديها تشير إلى أن الخشية من سحْب تصاريح العمل ووقْف المِنح الدولية، هي التي دفعت «حماس» إلى الإحجام عن مشاركة «الجهاد» في الجولة الماضية. ويقول ضرغام، في حديث إلى «الأخبار»، إن «إسرائيل تتصرّف من منطق قوّة وفهم لمستوى التعقيد الذي يعيشه القطاع على الصعيد الاقتصادي، لذا، هي تقول علناً إنها ستقدّم مزيداً من التسهيلات، لتُساهم في عزل المقاومة عن حاضنتها في الإطار العام، والتفريق بين حركتَي حماس والجهاد على نحو خاص». وفيما لا يقدّم الواقع الميداني أيّ مؤشّرات إلى فترة هدوء طويلة، إذ شدّد القيادي في «الجهاد»، خالد البطش، على ضرورة «الاستعداد من الآن لجولة القتال القادمة، التي ستحدث وقتما استدعت الحاجة للدفاع عن أيّ ساحة أو الردّ على أيّ اغتيال»، يعتقد ضرغام أن «إسرائيل لن تكتفي بعزل حماس عن المشاركة في أيّ تصعيد ضدّ الجهاد، إذ ستُحمّل في أيّ جولة مقبلة الأولى المسؤولية عن أيّ صاروخ أو رصاصة تُطلَق من القطاع، وعليه ستكون الحركة مطالَبة بفرض حالة الهدوء، وإلّا ستلوّح إسرائيل بعصا التسهيلات من جديد». ويختتم الباحث السياسي حديثه بأنه في أيّ جولة مقبلة «لن تُبقي الاعتداءات الإسرائيلية خياراً لدى المقاومة سوى الانخراط جنباً إلى جنب»، قائلاً إن «الجميع لا يتحمّل حرج الصمت في أوقات الحرب».
وبمعزل عن المحاذير الأمنية، لم يستقبل الشارع الغزّي الإعلان الإسرائيلي بكثير من الترحاب؛ إذ ثمّة تقاليد اجتماعية ترى إلى عمل النساء في نطاق جغرافي مغاير لبيئتهنّ، ولا سيما في الداخل المحتلّ، أمراً مستهجَناً ومرفوضاً. لكن الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، يستغرب الجدل الذي أحدثه القرار الإسرائيلي؛ بالنظر إلى أنها ليست المرّة الأولى التي تعمل فيها النساء داخل «الخطّ الأخضر». ويَلفت أبو جياب، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك فاصلاً زمنياً قدْره عدّة أجيال بين الوقت الراهن والحقبة التي كانت فيها جدّاتنا وأمّهاتنا يعملن في قطف الحمضيات والمطابخ ومصانع الملابس في الداخل المحتلّ، تلك النساء المكافحات عمِلْن في يومٍ ما هناك، وهنّ مَن أنجبن وربّيْن هذا الجيل». ويعتقد أن «الشارع سيتقبّل لاحقاً فكرة عمل النساء في الداخل المحتلّ، وأن الجدل الحاصل اليوم هو ردّة فعل تقليدية على أيّ قرار جديد ومفاجئ». ويؤكد رئيس «الاتحاد العام لنقابات العمال» في فلسطين، سامي العمصي، من جهته، أن قانون العمل الفلسطيني كفِل للمرأة حقّ العمل، سواءً في الداخل أو الخارج، لكن العمصي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول توقيت هذه الخطوة، خصوصاً أنها جاءت بعد انتهاء جولة دامية، وأن «نسبة البطالة بين الرجال أكبر بكثير من النساء، فهناك حوالى 250 ألف رجل عاطل عن العمل في غزة».