وتختلف البحرين عن غيرها من دول الخليج؛ إذ إن الموجة القومية العربية واليسارية وصلتْها في وقت مبكر. ومنذ نشوء الكيان، تَشكّل الوعي البحريني المعادي له. ولذلك، عندما تمّ توقيع «اتفاقات آبراهام»، أعلن مسؤولو «الموساد» أن البحرين ليست آمنة للسيّاح الإسرائيليين. ولا توجد حركة سياحة إسرائيلية إلى هذا البلد كتلك التي تشهدها الإمارات، كما أن الجالية اليهودية هناك تتألّف من بضع عشرات من الأشخاص، بعد أن غادر معظم أفرادها إثر إقامة الكيان. ولأن مي شخصية ثقافية مرموقة في الخليج والعالم العربي، فقد كان لطرْدها من منصبها وقْع ثقيل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شاركت في التعليقات شخصيات معروفة من أمثال الشاعرة الكويتية، سعاد الصباح، التي أشادت بالوزيرة السابقة. وحتى وداع الأخيرة لمرؤوسيها كان مؤثّراً واعتُبر تحدّياً للملك، حين اصطفّ معظم هؤلاء عند مدخل مبنى الوزارة، وبعضهم يغالب دموعه، لتحيّتها، مؤكدين مرّة أخرى أن التطبيع مرفوض شعبياً، وإنّما مفروض بقوّة القمع ذاتها التي استخدمها حمد بن عيسى في سحق الانتفاضة، من دون أن يراعي في حالة مي، حتى الدين والعادات، حيث المصافحة بين رجل وامرأة أجنبيَّين غير مألوفة في الخليج.
بعض «مثقّفي البلاط» في الخليج سعوا لنفْي أن تكون الإقالة بسبب رفض المصافحة، ومن هؤلاء الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبدالله، المقرّب من محمد بن زايد، والذي قال إن إقالة مي تأتي في إطار تغييرات اعتيادية، وشارك على حسابه على «تويتر» شريط صور يشير إلى أن المسؤولة السابقة زارت المعبد اليهودي في البحرين سابقاً، واجتمعت برئيس الجالية اليهودية، إبراهيم نونو. ولكن عبدالله نفسه الذي يَظهر التردُّد في تعبيراته، سجّل أن الإماراتيين لم يذهبوا للسياحة في إسرائيل هذا الصيف «ومَن ذهب إليها ذهب سرّاً وخجلاً ومتستّراً»، مضيفاً أن «تلك المسرحية الهزلية التي رحّبت بإسرائيل انتهت، وهذا متّسق مع استطلاع للرأي يُظهر أن 71 % من الجمهور في الإمارات انطباعاتهم تُراوح بين سلبية وسلبية جدّاً تجاه العلاقة مع إسرائيل».
تختلف البحرين عن غيرها من دول الخليج؛ إذ إن الموجة القومية العربية واليسارية وصلتْها في وقت مبكر
لكنّ الاستطلاع نفسه الذي أجراه «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، لا يبدو واقعياً؛ إذ يدرك كلّ مَن يعرف المزاج العربي أن نسبة التأييد للتطبيع مع العدو بين الشعوب تكاد لا تُذكر، ولا يمكن أن يكون 71% فقط من الإماراتيين معارضين لهذا المسار، ولا سيما أن المعهد يشير إلى «تراجُع» ملحوظ في نسبة مؤيّدي الاتفاقيات مع الاحتلال في كلّ من السعودية والبحرين والإمارات «ليصبحوا أقلّية»، وأن نسبة هؤلاء المؤيّدين كانت 40% في استطلاع سابق أُجري عند توقيع الاتفاقات قبل عامين! ولذا، ثمّة شكوك في أن يكون الاستطلاع مفبركاً بالكامل، للإيحاء بوجود مقبولية للتطبيع، ولو من قِبَل أقلية (وازنة)، لتسهيل تمريره على الرأي العام العربي.