الخرطوم | تسود حالة من الغموض الساحة السودانية، في أعقاب الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على «قوى الحرية والتغيير»، والتي نتج منها لقاء بين الأخيرة والعسكر بعد قطيعة دامت قرابة الثمانية أشهر. وبدا، من خلال ذلك، أن واشنطن لا تولي أهمّية لوجود «لجان المقاومة»، التي اكتفت مساعدة وزير الخارجية الأميركية، مولي فيي، بعقد لقاءات مع بعض فروعها في الخرطوم، على الرغم من نفوذها الواسع في الشارع، والذي يخوّلها لعب دور رئيس في تشكيل المشهد.ووفق بيان صادر عن السفارة الأميركية في الخرطوم، فإن فيي شدّدت خلال لقائها ممثّلي المكوّن العسكري، على ضرورة التنازل عن السلطة لحكومة مدنية، منبّهةً إلى عدم إمكانية استئناف المساعدات الأميركية حتى «تتمّ استعادة التحوّل الديموقراطي». كذلك، دعت فيي، بحسب البيان، إلى محاسبة المسؤولين عن مقتل 100 متظاهر منذ انقلاب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في 25 تشرين الأول الماضي، مطالِبةً بإنهاء العنف ضدّ المتظاهرين. كما دعت إلى تنفيذ تدابير تعيد بناء الثقة، لافتةً إلى «الحاجة الملحّة لإحراز تقدُّم فوري في الحوار والعمل على إنشاء إطار انتقالي بقيادة مدنية». في المقابل، ظهر لافتاً التزام المكوّن العسكري الصمت؛ إذ لم يَصدر عنه أيّ تعليق على بيان السفارة الأميركية، أو أيّ تصريحات بشأن اللقاء الذي جمع ممثّليه مع وفد «قوى الحرية والتغيير»، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول إمكانية استجابة العسكر للضغوطات الأميركية.
كان لافتاً التزام المكون العسكري الصمت إزاء الدعوات الأميركية إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية


ولا يَستبعد المحلّل السياسي، حاج حمد، أن «تكون الإدارة الأميركية قد أبرمت صفقة سرّية مع العسكر تضمن لهم مخرجاً آمناً وصعود قيادة عسكرية جديدة تكون مقبولة لدى الشارع لإدارة المؤسّسة العسكرية وفق القوانين الخاصة بالجيش خلال الفترة الانتقالية». ويقلّل حمد، في تصريح إلى «الأخبار»، من إمكانية «حدوث أيّ مناورات من قِبَل القيادة الحالية للجيش كردّ فعل عكسي على الضغوط الأميركية»، معتبراً أن العسكر «استنفدوا كافة الحيل الممكنة منذ انقلاب أكتوبر، بما فيها إعادة رموز نظام المؤتمر الوطني وجهاز الأمن إلى الواجهة، ولم يَعُد لديهم خيار إلّا تسليم السلطة». إلّا أن ما بدا لافتاً، وفق تقارير صحافية، هو سحب الطاقم الديبلوماسي من سفارة السودان في واشنطن عقب التطوّرات الأخيرة، الأمر الذي فسّره البعض على أنه ردّ فعل على الضغوط الأميركية، ورسالة من العسكر برفض تسليم السلطة. لكن وفق حمد، فإن «واشنطن جادّة في إيجاد حلول عاجلة للأزمة السودانية؛ كونها أدركت أنه في حال استمرارها في مراعاة المصالح الإسرائيلية في السودان، فإن قوى جديدة ستحلّ في مناطق نفوذها مثلما تمدّدت روسيا في السودان». ويلفت المحلّل السياسي إلى أن «مصالح واشنطن تضاربت مع مصالح تل أبيب في السودان، لذلك يَظهر أن الأولى طلبت من الثانية عدم دعم العسكر، بل حثّهم على تسليم السلطة للمدنيين». ولا يَستبعد متابعون أن يكون التمدّد الروسي، بخاصة عبر شركة «فاغنر» الأمنية، هو الدافع الحقيقي وراء حماسة واشنطن لإيجاد حلّ للأزمة السودانية، وتشكيل حكومة مدنية تسيطر عليها الولايات المتحدة بشكل أو بآخر.
إزاء ذلك، يُطرح السؤال حول موقف الشارع المنتفض الذي لا تزال القوى الممثّلة له متمسّكة بلاءاتها الثلاث: «لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة». وفي هذا الإطار، يدعو حاج حمد «لجان المقاومة» إلى «إطلاق حوار مفتوح بالتزامن مع استمرار الفعل الثوري، تنشأ عنه كتلة سياسية قادرة على المشاركة في الحياة السياسية»، مضيفاً أن «المرحلة المقبلة ستشهد الإعداد للانتخابات وإجازة قوانينها وتشكيل مفوضية الانتخابات، وكلّ ذلك لا يتمّ إلّا داخل البرلمان».