القاهرة | للمرّة الثالثة في غضون 8 سنوات، تتدخّل دول الخليج بثقلها من أجل إنعاش الاقتصاد المصري. لكن خلافاً لعامَي 2014 و2016، حيث اتّخذ التدخّل شكل ودائع وقروض لم تُسدَّد بعد، جاء التحرّك هذه المرّة في اتّجاه الاستثمار الفعلي في الأصول المصرية الرابحة، خاصة من قِبَل الإمارات التي رفضت ضخّ أموال يتمّ تجميدها في البنك المركزي، أو حتى في شركات لا تُحقّق عائدات مربحة لاستثماراتها، وهو أحد الشروط التي وُضعت لضخّ نحو 10 مليارات دولار في الاقتصاد المصري، عبر جهات إماراتية عدّة في مقدّمها الصندوق السيادي، الأمر الذي لم يلْقَ أيّ تحفّظات حكومية. وبينما أُعلنَ عن شراء «صندوق أبو ظبي السيادي» حصصاً في شركات مصرية مملوكة للدولة مطروحة في البورصة، بقيمة مليارَي دولار، أظهرت عمليات الشراء، سواءً من أبو ظبي أو الرياض، وجود تَوجّه نحو شركات رابحة ومؤثّرة في السوق المصري، في وقت عبّرت فيه الإمارات عن رغبتها أيضاً في الاكتتاب في شركات غير مطروحة في البورصة، من بينها شركات تابعة لهيئة قناة السويس، وهو ما وافقت عليه الحكومة المصرية.ولا تجد السلطات المصرية مفرّاً من الرضوخ لشروط الاستثمارات الخليجية الجديدة، في ظلّ عجزها عن مواجهة التبعات الاقتصادية التي خلّفتها عملية تثبيت سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وتآكل جميع «المكاسب» التي تَحقّقت خلال السنوات الماضية، واستحالة تحريك الأسعار بما يتلائم مع الزيادات الجديدة لأسعار المحروقات والأغذية عالمياً، فضلاً عن فوائد القروض التي تلتهم نحو 40% من الموازنة سنوياً. وبينما تعود قطر بحذر شديد إلى الاستثمار في مصر عبر ضخّ 5 مليارات دولار، تحاول الإمارات ضمان استعادة أموالها بأوراق وسجلّات رسمية، وليس على غرار ما حدث في المرّات السابقة التي لم تستطع فيها استعادة الجزء الأكبر ممّا دفعته. أمّا السعودية، فتسير هي الأخرى على النهج الإماراتي، عبر تخصيص الـ10 مليارات التي سيضخّها صندوق الاستثمارات السعودي، لعمليات استحواذ على بعض الشركات الرابحة بالفعل، والتي تَجري حالياً مراجعة مَلاءتها المالية، بموجب الاتفاق الموقّع مع الحكومة المصرية، والذي ينصّ على بقاء حصّة الأغلبية لجهات مصرية، علماً أن الاستثمارات الخليجية تركّز على قطاعات الخدمات الصحّية والمدفوعات الإلكترونية والبنوك.
ويأتي ذلك في وقت يحاول فيه البنك المركزي المصري تحسين وضع صافي الأصول الأجنبية، بعد تراجعه إلى أدنى مستوياته في شباط الماضي، عقب انخفاضه بمقدار 60 مليار جنيه، ليتحوّل إلى سالب 50.3 مليار جنيه، بسبب نقص العملة الأجنبية، بينما لم يستقرّ سعر صرف الجنيه أمام الدولار حتى الآن، وسط تقييد لعمليات الاستيراد، واضطراب في تعامل البنوك مع النقد الأجنبي. ويسعى «المركزي» لجذب مزيد من الأموال الساخنة مجدّداً، في محاولة لمعالجة آثار عمليات الخروج السريع التي سُجّلت منذ بداية الأزمة الأوكرانية، حيث بلغ إجمالي ما خرج من البلاد نحو 15 مليار دولار، وجميعها من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية. ويستهدف البنك نحو 20 مليار دولار كدفعة أولى من النقد الأجنبي بين ودائع وقروض واستثمارات، لتجاوز الأزمة الحالية. وباتت الودائع الخليجية مجتمعةً تُشكّل أكثر من نصف الاحتياطي النقدي لدى «المركزي»، من بينها نحو 10.3 مليار دولار للسعودية فقط، علماً أن الوديعة الأخيرة ذات الـ5 مليارات دولارات مدّتها عام واحد فقط، ما يعني على الأرجح إعادتها إلى المملكة فور ضخّ الاستثمارات الجديدة.