صنعاء | فتحت صنعاء، أخيراً، ملفّ تدمير قدراتها الصاروخية بإشراف أميركي - سعودي مباشر، وبتنفيذ من نظامَي علي عبد الله صالح، وعبد ربه منصور هادي. وبدأت المحكمة العسكرية المركزية، مطلع شهر شباط الماضي، محاكمة مسؤولين يمنيين سابقين، و12 دبلوماسياً وعسكرياً أميركياً، شاركوا في عملية التدمير خلال الفترة ما بين 2005 و2011، كدفعة أولى سوف تليها محاكمة الدفعة الثانية من المسؤولين عمّا تعرّضت له القدرات الصاروخية اليمنية والدفاعات الجوّية ما بين عامَي 2012 و2014. وفي أولى جلساتها، اتّهمت المحكمة العسكرية المركزية، وكيل جهاز الأمن القومي السابق عمار محمد عبد الله صالح (نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، وآخرين من الجنسية الأميركية، بواقعة التدمير، بإشراف القائد الأعلى للقوات المسلحة في حينها علي عبد الله صالح، وقرّرت حجز ممتلكاتهم أينما وُجدت، والاستمرار في محاكمتهم كونهم «خانوا الوطن وقاموا بتدمير بطّاريات دفاع جوي هامّة كان بإمكانها أن تسهم في الحدّ من جرائم طيران العدوان التي ارتكبها بحق الشعب اليمني». وضمّت لائحة الاتهام مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون العسكرية لينكولن بلومفيلد، والسفير الأميركي الأسبق في اليمن (2001 - 2004) إدموند جيمس هول، ورئيس مكتب إزالة الأسلحة في وزارة الخارجية الأميركية الجنرال دينيس هادريك، والملحق العسكري في السفارة الأميركية في صنعاء سابقاً روبرت هيزم فرانك، ومساعده، وعدداً من الخبراء الفنّيين وخبراء المتفجّرات الأميركيين.هذه الخطوة قوبلت بترحيب شعبي كبير، على اعتبار أن عملية التدمير تلك إنّما شكّلت توطئة للعدوان الذي يواجهه اليمن منذ قرابة ثماني سنوات، بعدما تمكّن المتّهمون من إتلاف قرابة 1263 صاروخاً خاصّاً بالدفاع الجوي، تتنوّع ما بين «سام 7 ستريلا» و«سام 14» و«سام 16»، و52 قبضة إطلاق محمولة على الكتف، و103 بطاريات صواريخ، خلال الفترة ما بين عامَي 2005 و2009، بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة، يتضمّن دفع الأخيرة تعويضات مالية عن كلّ صاروخ، بحُجّة أن هذا النوع من الصواريخ يهدّد عمليات مكافحة الإرهاب عبر الطائرات من دون طيّار. وكانت صنعاء قد كشفت عن قيام قيادات عسكرية واستخباراتية، خلال الفترة ما بين عامَي 2012 و2014، أي إبّان مرحلة تنفيذ المبادرة الخليجية التي كان من أولوياتها هيكلة الجيش اليمني وتفكيك الصواريخ الباليستية، بتنفيذ عملية التدمير بإشراف الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، ونجله جلال، ورئيس جهاز الأمن القومي السابق، علي الأحمدي، تحت غطاء تنفيذ المبادرة المذكورة. إذ إن هادي أصدر عام 2012 قراراً انتزع بموجبه ألوية الصواريخ الخمسة التي كانت تحت قيادة قوات الحرس الجمهوري، ومنح نفسه حق الإشراف عليها كونه القائد الأعلى للقوات المسلّحة بموجب الدستور اليمني، وسمح بعملية تفكيك الصواريخ ونزع البطاريات الخاصة بها، وكاد ينقل أعداداً كبيرة منها من مخازنها إلى المحافظات الجنوبية، إلّا أن ذلك التوجّه قوبل برفض من قِبَل قيادة ألوية الصواريخ خوفاً من سقوطها في قبضة التنظيمات الإرهابية.
عملية تدمير المنظومة الصاروخية اليمنية امتدّت لقرابة 10 سنوات، وبدأت بصواريخ أرض - جو وانتهت بصواريخ أرض - أرض


وعثرت الجهات الأمنية في صنعاء على أدلّة دامغة، عبارة عن مراسلات رسمية بين النظام السابق والجانب الأميركي، وكذلك مشاهد لعمليات تدمير لصواريخ خاصة بالدفاعات الجوية، قالت بعض القيادات الموالية للنظام السابق إنها اقتصرت على صواريخ «سام» محمولة على الكتف، قامت الدولة بسحبها من أسواق السلاح وشرائها من القبائل في إطار حملة معلَنة لمكافحة انتشار الأسلحة، ومنعاً لوصولها إلى العناصر الإرهابية واستخدامها في استهداف الطائرات المدنية، لكن الوثائق أكدت أنها صواريخ متنوعة. وبدأت عملية تدمير المنظومة الصاروخية، والتي امتدّت لقرابة 10 سنوات، من صواريخ أرض - جو، وانتهت بتفكيك صواريخ أرض - أرض الروسية بمديات مختلفة. ووفقاً لتقديرات أمنية، فإن إجمالي الصواريخ التي تمّ إتلافها ما بين عامَي 2005 و2014، بلغت 4500 صاروخ، منها 1263 من صواريخ الدفاعات الجوّية اليمنية، و52 قبضة من قبضات إطلاق الصواريخ المحمولة على الكتف، و103 بطاريات صواريخ تابعة للجيش اليمني، دُمّرت في عهد نظام صالح. وشهدت منطقة الجدعان في مأرب، مطلع عام 2005، أوّل عملية تدمير بإشراف شركة «رونكو» الأميركية المتخصّصة في التعامل مع المتفجّرات، وتم التخلّص خلالها من 1078 صاروخ «سام 7 ستريلا»، و62 صاروخ «سام 14»، و20 صاروخ «سام 16»، بإجمالي 1161 صاروخاً، و13 قبضة إطلاق صواريخ دفاع جوي محمولة، و52 بطارية صواريخ كمرحلة أولى. وقُدّرت الصواريخ التي دُمّرت بإشراف أميركي في عهد صالح في المرحلة الثانية عام 2009، بأكثر من 100 صاروخ، معظمها صواريخ «سام 7 ستريلا»، و«سام 14»، إلى جانب صاروخَين من نوع «سام 16»، و40 قبضة إطلاق صواريخ دفاعات جوية محمولة على الكتف، و51 بطارية صواريخ.
بعد سقوط صالح صيف 2011، وانتقال الحُكم إلى أحزاب وتيّارات سياسية محسوبة على الرياض، وضعت السعودية عينها على الصواريخ الباليستية وما تبقّى من منظومات دفاع جوّي تابعة للجيش اليمني، فجعلت «هيكلة الجيش والأمن» من أولويات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية. وبعد تنفيذ بند نقل السلطة من صالح إلى هادي، باشرت الرياض مهمّة إعادة الهيكلة تلك، بإشراف لجنة تضمّ مسؤولين عسكريين أميركيين وبريطانيين وسعوديين وأردنيين، فتمّت تصفية العشرات من كوادر القوات الجوّية بمسلسل اغتيالات طاول الكثيرين من خرّيجي روسيا والمتخصّصين بصواريخ «توشكا» و«اسكود»، وطيّارين ومتخصّصين في الدفاعات الجوّية. كما تمّت تصفية عدد من الضبّاط المتقاعدين في صنعاء وحضرموت. وتزامناً، تعرّضت أكثر من 20 طائرات مقاتلة روسية من أنواع «سوخوي-22» و«ميغ-21» و«أنتونوف-26» و «نورثروب F-5» للتدمير، كما تمّ إحراق مروحية «ميل مي-17» في مرابضها في قاعدة الديلمي في صنعاء، وتدمير مروحيات أخرى في قاعدة العند العسكرية. إلى جانب ما تَقدّم، جرى تدمير 3000 صاروخ «سام 7 ستريلا»، و1500 صاروخ «سام 2»، في باب المندب، بإشراف أميركي وبمشاركة خبراء أردنيين وضبّاط في جهاز الأمن القومي اليمني، وذلك في عهد هادي.
واستُكملت تلك العملية الممنهجة خلال الأيام الأولى للعدوان، حيث تمّ استهداف قاعدة الديلمي الجوّية في صنعاء، وتدمير هنغار التسليح فيها، وطائرات حربية من أنواع «ميج-29» و«سوخوي-17» و«نورثروب F-5» تابعة للقوات الجوية اليمنية، وغرف العمليات والسيطرة، ونظم ومراكز الاتصالات العسكرية ومدرج القاعدة، والألوية «101 و110 دفاع جوي» و«4 و6 و8 طيران». ومع ذلك، عاد التحالف السعودي - الإماراتي ليجد نفسه أمام حقيقة تنامي القدرات الصاروخية اليمنية وتطوّرها بشكل متسارع.