في تعليق الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، على الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، أعلن أن «تونس مستهدفة». اتّهم «أيادٍ خبيثة» بتأجيج الأوضاع. أما رئيس الحكومة، الحبيب الصيّد، فقد أكّد أن أطرافاً تسعى إلى تأجيج الوضع في تونس. ساند الصيّد في اتهاماته، رئيس ديوان رئيس الجمهورية رضا بالحاج، الذي أشار إلى أن أفراداً ينتمون إلى أحزاب سياسية أُحيلوا إلى القضاء لشبهة تورطهم في أحداث العنف الأخيرة.
وسائل الإعلام التونسية تناقلت أخباراً عن تورط نشطاء من رابطة «حماية الثورة». فالجمعية التونسية كانت قريبة، قبل أن تحلها الحكومة، من حركة «النهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية». اعترف ناشطون معتقلون بتلقيهم أموالاً مقابل فعل أعمال شغب. أما الصفحات المقربة من الإسلاميين و«ما تبقى» من حزب «نداء تونس»، الحاكم، فاتهمت على مواقع التواصل الاجتماعي قوى اليسار، وتحديداً «الجبهة الشعبية»، بإثارة الشغب؛ وذلك بعد إعلان المتحدث الرسمي باسمها، حمة الهمامي، مساندة الاحتجاجات في بداياتها، قبل أن تنزلق إلى عمليات نهب وحرق ومواجهات عنيفة مع القوى الأمنية.
وليس غريباً، إذا ما تورطت أطراف قريبة من الإسلاميين كـ«حماية الثورة» و«حزب التحرير»، الداعي إلى إقامة دولة الخلافة، في عمليات النهب والعنف الأخيرة. فـ«النهضة» سلكت هذا المنهج في عهد الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي. وأواخر الثمانينيات، حينما وقّعت الميثاق الوطني، وشاركت في أول انتخابات بعد تولي بن علي للسلطة، وفي تظاهرة بالتماوت. وحينما كانت تخطط للانقلاب على بن علي، وانكشف أمرها، نفذت ما يسمى «سياسة تحرير المبادرة»، التي تسببت في إحراق للمقرات الحزبية والأمنية. أهمّها حرق حارس لمقر حزبي، وهو حيّ، ولا تزال الحادثة عالقة في أذهان التونسيين.
وكشفت الاتهامات المتبادلة بين الأطياف السياسية، بعد الاحتجاجات، عن حقيقة الصراع السياسي الدائر في تونس. قطب اليسار والمستقيلون من «نداء تونس»، من جهة، والإسلاميون وحزب رئيس الجمهورية، بقيادة نجله حافظ قائد السبسي، مع بعض وجوه «التجمع الدستوري الديموقراطي المنحل»، من جهة أخرى. هذا الصراع انعكس سلبياً على عمل حكومة الحبيب الصيد الأولى، التي تلقت خمس ضربات إرهابية كبرى، في أقل من سنة، لتصطدم الثانية باحتجاجات اجتماعية عنيفة، بعد أقل من شهر على تسلم وزرائها الجدد مهماتهم.
وبرغم أن الاحتجاجات اجتماعية في ظاهرها، فهي لا تخلو من طابع سياسي وتفضح العجز الحكومي ومنظومة اتصالاته، التي تميّزت بالارتباك سواءً بمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أو مقاومة الإرهاب، الذي دخل على الخط أخيراً. تعددت الاشتباكات بين قوات الجيش والأمن مع مجموعات مسلحة، كما تعددت محاولات تسرّب الإرهابيين من دول الجوار إلى الداخل التونسي، لتهلل صفحات التكفيريين ومناصري التنظيمات الإرهابية، لما تمر به تونس من عواصف قد ترمي بها إلى المجهول، فتُختَصر الطريق للانقضاض عليها.
في هذا الوضع المعقّد، زاد تشظّي «نداء تونس»، الحاكم، ارتباك عمل الحكومة التي لا يخجل رئيسها من «الحجّ» إلى مقر «النهضة»، كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً. فتعيين الوزراء الجدد جاء نتيجة سببين؛ الأول هو مدى مساندتهم لجناح حافظ القائد السبسي؛ والثاني مساندتهم للإسلاميين ومدى رضى زعيم «النهضة»، راشد الغنوشي عنهم.
بذلك يصبح الأمران معياراً للتوزير دون سواه، وهذا ما أفرز حكومة تقوم على الولاء، دون الكفاءة، وغير واضحة البرامج ولا السياسات، وغير مهتمة إلا بتطبيق أوامر «الشيخين»، راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي. ويتهم الأخير بتغليب مصلحة ابنه على مصلحة البلد، والمهتم بالحفاظ لأطول وقت ممكن على التوافق الملغوم المملي غربياً، وهذا ما أدّى إلى مزيد من تدهور الأوضاع على جميع المستويات، بدءاً بالمستوى السياسي وصولاً إلى الاجتماعي ومروراً بالمستوى الاقتصادي.
هكذا هي حركة «النهضة»، فمن النجاح في عمليات اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية على مدى أربع سنوات، إلى النجاح في اختراق الأحزاب السياسية المتحالفة معها، أضحت كملكة النحل، التي حالما لقّحها أحد الذكور قضت عليه، حتى تصل إلى هدفها الرئيسي، «أخونة المجتمع والدولة».