القاهرة | مع اقتراب الملء الثالث لـ«سدّ النهضة» الإثيوبي، عادت الوساطات الإقليمية والدولية بين القاهرة وأديس أبابا لتظهر مجدّداً، مع خروج الخرطوم من المشهد، حالياً، نتيجة للأوضاع السياسية هناك. ولا تزال القاهرة تعوِّل على أطراف عدة للعب دور أكبر، في ظلّ تباطؤ الاتحاد الأفريقي في اتّخاذ خطوات حاسمة في الملف، واستبعاد احتمالية العودة القريبة إلى مجلس الأمن.وخلال الأيام الماضية، زار كلّ من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، العاصمة الإماراتية، أبو ظبي. وفيما جرت الزيارتان بشكل مفاجئ، فقد كان الفارق بينهما، أن زيارة السيسي أُعلنت في وقتها، بينما أُعلن عن زيارة آبي أحمد، عقب عودته إلى بلاده، علماً أنها الأولى إلى الخارج منذ فترة طويلة، جراء تداعيات الحرب في إقليم تيغراي.
ويبدو أن الجانب الإماراتي، الذي دعم حكومة آبي أحمد في مواجهة المعارضة، يسعى لممارسة ضغوط على الرجل، في ما يتعلّق بمسألة «سدّ النهضة»، استجابة للمطالب المصرية بخصوصها، وذلك عبر الضغوط الاقتصادية التي سيكون لها تأثير كبير في الداخل الإثيوبي. وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، أن الرئيس المصري طلب من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الضغط على إثيوبيا، لمنعها من تخزين كمّيات من المياه تفوق القدرة التي يمكن أن تتحمّلها مصر، قبل البدء بالملء الثالث، وعمليات التعلية للسدّ، والتي سيتمّ الشروع بتنفيذها خلال الأيام المقبلة، استعداداً لموسم الأمطار. وأوضحت المصادر أن السيسي لجأ إلى ابن زايد في ظلّ غياب الجهات الدولية الداعمة لموقف القاهرة، والذي يعكس إخفاقاً ديبلوماسياً نادراً. كما يأتي تحرّك السيسي استباقاً للاستعدادات الإثيوبية للأعمال الهندسية المقرّر استئنافها قريباً على جانبَي السدّ، من أجل تجهيز أول توربين منخفض التشغيل.
وعد ابن زايد السيسي بممارسة ضغوط على رئيس الحكومة الإثيوبية


ويبدو أن اللجوء المصري إلى الإمارات من أجل إنقاذ مياه النيل، يحمِل في طيّاته استجابة القاهرة لتنازلات كانت قد رفضت تقديمها مِن قَبل في ملفّات عدّة، من بينها اليمن. وتتمثّل هذه التنازلات، التي لم تتّضح ماهيتها بشكل كامل، التماهي مع المواقف الإماراتية، في قضايا خلافية وجدَلية. وفي هذا الإطار، تكشف المصادر أن ابن زايد وعد السيسي بممارسة الضغط بـ»الطرق الممكنة وغير الممكنة» على آبي أحمد لتعديل موقفه، وسط احتمالية عقد اجتماع مشترك في أبو ظبي، خلال الفترة المقبلة، لإنهاء حالة الجفاء بين البلدين، وتعبئة الإرادة السياسية اللازمة للتوصّل إلى اتفاق. كذلك، تضغط مصر في مسألة السدّ، عبر الدول الأفريقية أيضاً، والتي كان آخرها السنغال، إذ جرت مناقشة الأمر مع رئيسها، ماكي سال، خلال زيارته القاهرة قبل أيام، وسط تحرّكات لترتيب لقاءات مكثّفة بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأفارقة، خلال الاجتماعات المقبلة للاتحاد الأفريقي المقرّرة الشهر الجاري.
ومن جهتها، تبدي إثيوبيا تحفّظاً على التدخّل الإماراتي، والذي سيكون مصحوباً بضغوط سعودية، لكن وعود أبو ظبي بتقديم الدعم في مجلس الأمن والأمم المتحدة، بشأن الوضع في إقليم تيغراي وغيرها من الأمور، ستكون لها انعكاسات كبيرة على القرار الأخير الذي سيتّخذه رئيس الوزراء الإثيوبي.