غزة | لم يَعُد تحرير فلسطين مجرّد أمنية بعيدة المنال، بل بات، بفعل تطوّر العمل المقاوِم في مختلف ساحاته، فكرة حاضرة قابلة للتحقيق، في وقت قد لا يكون بعيداً، بل إن قوى المقاومة الفلسطينية لا تجد بدّاً من بدء البحث في مرحلة ما بعد إسرائيل. ومن هذا المنطلق، انعقد في غزة، أمس، مؤتمر بعنوان «وعد الآخرة - فلسطين بعد التحرير»، شاركت فيه قيادات فصائلية وسياسيون وباحثون، برعاية رئيس حركة «حماس» في القطاع، يحيى السنوار. وأثار المؤتمر ضجّة في أوساط الفلسطينيين، الذين يؤمن كثير منهم بقرب تحرير فلسطين، فيما يرى آخرون أن الظروف الحالية، المحلّية والإقليمية والدولية، لن تساعد على تحقيق ذلك. أمّا الطرف الثالث، والذي يمثّل قيادة السلطة، فيعتبر أنه لا حلّ للقضية الفلسطينية إلّا بـ«عملية سلام» مع العدو.ووضع السنوار، في كلمة بالمناسبة، معركة «سيف القدس» التي خيضت في أيار الماضي، في سياق العمل الجادّ والدؤوب على طريق تحرير فلسطين. وقال: «العدو، قبل الصديق، شهد كيف كانت معركة سيف القدس نموذجاً أعدّته مقاومتنا عبر سنوات من التخطيط والتدريب والتطوير العسكري والاستخباري، وهذه المعركة لم تكن وليدة لحظة الانفجار بقدر ما كانت قراراً بأنه حان وقت تنفيذ وعد المقاومة بالردّ على جرائم الاحتلال في حيّ الشيخ جراح، وهو ما كان». وأشار السنوار إلى أن «الإعداد العسكري والتخطيط والتدريب، خلال الفترتَين الحالية والماضية وفوق الأرض وفي أعماقها وفي ظلمة البحر وعلوّ الجو، ينبع من إيمانٍ بقرب التحرير، وهذا الأمر يمثّل دافعاً للإعداد لما بعده، باعتباره حقيقة لا شكّ فيها مستقبلاً». وبحسب قائد «حماس» في غزة، فإن التحرير يمثّل مركز الرؤية الاستراتيجية للحركة، والتي تنصّ على «التحرير الشامل لفلسطين من البحر إلى النهر، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على كامل أراضيها، وعاصمتها القدس».
بدوره، أوضح رئيس هيئة مؤتمر «وعد الآخرة - فلسطين بعد التحرير»، كنعان عبيد، أن تأسيس الهيئة يندرج في إطار السعي لتصوّرِ مرحلة ما بعد التحرير من جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية. وأشار إلى أن «تحرير قطاع غزة من الاحتلال عام 2005، كان بروفا، وأخذنا العبرة منه في الهيئة، خصوصاً بعد ضياع المقدّرات التي كانت في المستوطنات»، مضيفاً أن «الهيئة أقيمت لاستلام المقدرات وإعداد الخطط لما بعد تحرير فلسطين». ولفت عبيد إلى أن «لدينا سجلّات بشأن أعداد الشقق والمؤسّسات الإسرائيلية ودور التعليم والمدارس ومحطّات الوقود والكهرباء والصرف الصحي، لا بدّ من التجهيز لإدارتها»، داعياً إلى «ضرورة البدء بالاستعداد لهذا اليوم وعدم ترك الأمور إلى ما بعد التحرير». من جانبه، أكد القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي»، خضر حبيب، أن «المقاومة تخوض صراع وجود مع الاحتلال الإسرائيلي وسننتصر»، معتبراً أن «نتائج هذا الصراع لن تتوقّف على مصير الشعب الفلسطيني فقط، إنما على مصير العالم أجمع». أمّا عضو «الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة المقدّسات»، الأب مانويل مسلم، فرأى أن «أولى خطوات التحرير بدأت في القدس وباب العمود والشيخ جراح وسلوان»، داعياً إلى أن «يتحوّل فكر رجل المقاومة إلى رجل التحرير، وبندقية وصاروخ المقاومة إلى بندقية وصاروخ التحرير».
وخلال المؤتمر، قُدّمت عشرات الأوراق البحثية التي تستشرف صورة فلسطين بعد تحريرها، وكيفية إدارة المقدّرات التي سيتركها الاحتلال على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والأمنية، ومسألة الحرية الدينية، والأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية. وتناولت تلك الأوراق، أيضاً، الحديث عن سجلّات يملكها الفلسطينيون حول ملكيات الأراضي، بالإضافة إلى خطة إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجِّروا منها. وعلى رغم قتامة المشهد الفلسطيني، على المستوى السياسي الحالي، أجمع المشاركون على أن بقاء الحالة الفلسطينية على ما هي عليه أمرٌ مستحيل، داعين إلى ضرورة إعادة انتخاب قيادة تنال ثقة الشعب الفلسطيني وتجهّز لمرحلة التحرير، وما بعدها.