يبدو أن الأردن حصل ضمناً على استثناء من تبعات قانون «قيصر» من أجل إحياء خطّ التجارة بين عمّان ودمشق
وعلى رغم أن الملف الفلسطيني يبدو المسيطر على جدول أعمال الملك عبد الله، إلا أن ما هو أخطر منه، والذي يُعتبر ملفاً أمنياً واقتصادياً، يتمثّل في الجارة سوريا، التي بدا لافتاً تبدّل اللهجة الأردنية تجاهها، عبر الحديث عنها كعضو في «جامعة الدول العربية»، ومخاطبة الدول العربية بضرورة إيجاد حلّ للوضع السوري من منظور عربي، في خطوة تبدو ذات دلالة كبيرة، بعد عقد من الحرب في سوريا، وصمود الدولة هناك، وإعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد، ولو عبر انتخابات اعتبرها الأردن «شكلية». هذا في البعد الأوّل من الملفّ السوري، أمّا البعد الثاني فمتعلّق باستمرار الهدوء على الحدود المشتركة، حفاظاً على المصالح الأردنية والأميركية في شمال الأردن، والمصالح الروسية، وتسكيتاً للتوتّر الإسرائيلي، بما يدرأ مواجهة أكبر في المنطقة تكون شرارتها الجنوب السوري، وذلك ما تتّفق عليه على السواء عمّان وواشنطن وموسكو التي قصدها عبد الله أخيراً بعد التوتر في درعا. والبعد الثالث والأخير يتمثّل في حصول الأردن على استثناء من تبعات قانون «قيصر» من أجل إحياء خطّ التجارة بين عمّان ودمشق، في ما قد يكون اتُّفق عليه بشكل ضمني خلال زيارة الملك لواشنطن، من دون المجاهرة به، وهو ما يفسّر اللقاءات الأردنية السورية على مستوى الوزراء بعد قطيعة طويلة منذ اندلاع الحرب في السوريا. ويركّز الأردن في محادثاته مع الأميركيين على الجانب الاقتصادي، بعد أن جسّ نبض السوريين الذين أبدوا حسن نوايا منذ عرض «المياه مقابل الكهرباء» على الأردن، في نهاية ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، الأخيرة.
على خطّ موازٍ، ثمّة فرصة ذهبية تراها أطراف عدّة في القبول الأميركي باستثناء الأردن من قانون «قيصر»، وذلك عبر فتح خط جديد على لبنان المتعثّر اقتصادياً، والذي يحتاج إلى تدخّل خارجي «غير فاقع» تبدو المملكة مناسبة لتولّيه، كدولة عربية تتسلّح بقرار عربي، وستُدعم بأموال عربية إن تَحقّق الاختراق للساحة اللبنانية، كما أنها حليف قوي للولايات المتحدة، ولديها «معاهدة سلام» مع إسرائيل وليس مجرّد اتفاق سلام حصل ضمن حرب انتخابية أميركية قابل للتغيير والتعديل وحتى الإلغاء. ويتّكئ الأردن، في ما يعرضه على لبنان، أي الكهرباء حالياً عبر سوريا، على مشروع الربط الثماني السابق، مع ملاحظة أن التجهيزات الفنية موجودة، وما يحتاج إليه الأمر فقط قرار سياسي ودعم اقتصادي بسيط للمضيّ فيه، وبهذا، يجد الأردن زبوناً جديداً لكهربائه بعد العراق والسلطة الفلسطينية والسعودية، من دون أن يغيب عن الذهن أن عمّان تستخدم الغاز الإسرائيلي، الذي يصل من المنطقة الشمالية القريبة من الحدود مع سوريا (ينتهي خط الغاز في منطقة الخناصري الشمالية البعيدة نحو 33 كم عن درعا)، لتوليد الكهرباء. يعلم الملك عبد الله ودائرته القريبة أن هذه المبادرات، سواءً سُمّيَت «الشام الجديد» أو «شرق أوسط جديد»، تحتاج إلى الجغرافيا الأردنية، وهو الآن معنيّ أكثر من أي وقت سابق باستغلال تلك الجغرافيا مقابل دعم حكمه ومن بعده ابنه من جهة، وبإحداث تطوّر في الوضع الاقتصادي الملتبس كي لا تخيّم النهاية اللبنانية الاقتصادية على الداخل الأردني، من جهة أخرى. ولذا، فهو بدأ باللعب بأوراقه المهمّة، ومن بينها ورقة اللاجئين الفلسطينيين التي يتحضّر لاستخدامها في مؤتمر المانحين في السويد، واللاجئين السوريين من خلال إيجاد طريقة لدفع «المجتمع الدولي» إلى الإيفاء بالتزاماته في شأنهم تجاه عمّان.