غزة | «كيف الجامعة حلوة؟، كان نفسي أجرّب شعور إني طالبة جامعية»، كان هذا ردّ أميرة على صديقتها التي أتمّت إجراءات الالتحاق بالجامعة، وأرسلت إليها صورة عبر محادثة «فايسبوك» داخل الحرم الجامعي. أميرة طالبة فلسطينية أنهت الثانوية العامّة قبل أيام، متحصّلة على معدّل 68% في الفرع العلمي، لكنها لم تستطع الالتحاق بالجامعة. هي من سكّان شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، وكانت تحلم بدخول كلية تكنولوجيا المعلومات، غير أن ظروف والدها المتعطّل عن العمل، قطعت الطريق على هذا الحلم، على اعتبار أن رسوم الساعة في هذه الكلية تصل إلى 25 ديناراً أردنياً، ما يعني أنها ستكون بحاجة إلى أكثر من 450 ديناراً في الفصل الواحد، وهو مبلغ تقول إن أسرتها تعجز عن دفعه. تتحدّث الفتاة عن وعود والدها الدائمة لها، منذ الطفولة، برفدها بالمال اللازم للتعليم الجامعي، إلا أن تخرّجها من الثانوية العامة ترافق مع اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، والتي سحقت متجر الأب، وحرمت أسرته من مصدر دخلها الوحيد. تعلّق أميرة: «أحلامنا دائماً مؤجّلة... بفعل الاحتلال والفقر». وإذا كان حلم أميرة قد تأجّل بسبب الفقر، فإن الطالب أحمد سعد قد طوى صفحة الجامعة من دفتر أحلامه، مؤثِراً مواصلة عمله في ورشة لتعبئة غاز الطهو في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، حيث مكان سكنه. أحمد، الذي قضى أكثر من نصف العام الدراسي في العمل داخل الورشة من أجل دعم أسرته، لم يندم على تحصيله المتدنّي (52%)، في امتحانات الثانوية العامة. وهو يقول: «لقد قضيت معظم الوقت داخل الورشة ولم أقضِه في الدراسة، لعلمي المسبق أنني لن أفلح في دخول الجامعة». ويضيف محاولاً إخفاء استيائه: «بالتأكيد لست فاشلاً، ولكن أعلم مسبقاً أن أسرتي أحقّ بما يمكن أن أنفقه على الدراسة الجامعية، والتي تتطلّب مصاريفَ عالية، في الوقت الذي يعمل فيه والدي حارساً لإحدى المنشآت السكنية بأجرٍ زهيد ليعيل أسرتنا المكوّنة من ثمانية أفراد». لم يدّخر أحمد حلماً لدراسة تخصّصٍ جامعي محدّد، بل يشير إلى أنه خشيَ بذل جهد كبير في الدراسة من أجل الالتحاق بكلية الطب، مثلاً، أو الهندسة، ثمّ الاصطدام بعدم إيجاد مَن يعينه على دراسته. «لهذا اختصرت الطريق على نفسي... عملت ودرست في آن واحد وحصلت على الشهادة والأجر اليومي بقيمتَين متدنيتَين». ويتابع، وهو يحاول تعبئة الأسطوانة داخل مخزن لا تتوفّر فيه أيّ معدّات لإخماد الحريق: «بصراحة، لولا الفقر لكنت اجتهدْت لدخول كلية الهندسة، ولكنّ الفصل الواحد بحاجة إلى 400 دينار أردني بحدّ أدنى، وهو مبلغ أعجز وتعجز أسرتي أيضاً عن دفعه».
لا تتوفّر إحصاءات دقيقة بشأن أعداد الطلبة المتعثّرين عن دفع الرسوم بسبب الفقر والبطالة


لا يشكّل الفقر عائقاً أمام المتخرّجين حديثاً من الثانوية العامة فقط، بل يعيق أيضاً آلاف الطلبة عن مواصلة دراستهم الجامعية. ولا تتوفّر إحصاءات دقيقة في شأن أعداد الطلبة المتعثّرين عن دفع الرسوم بسبب الفقر الذي تجاوزت نسبته الـ60%، في القطاع الذي يعاني حصاراً للعام السادس عشر على التوالي. إلّا أن تقديرات محلّية تشير إلى أن أكثر من 20 ألف خرّيج بحاجة إلى تحرير شهاداتهم الجامعية. وعلى ضوء هذه المشكلة، تشكّلت حملة وطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية، وخصوصاً في ظلّ أزمة فيروس «كورونا» التي فرضت نظاماً تعليمياً إلكترونياً. ووفقاً لمنسّق حملة تخفيض الرسوم، إبراهيم الغندور، فإن متوسّط الدراسة الفصلية في جامعات غزة يُراوح بين 400 و500 دينار، الأمر الذي يدفع آلاف الطلبة إلى عدم الإيفاء بالتزاماتهم للجامعات، أو الابتعاد عن دراسة تخصّصات لا تناسب تطلّعاتهم وآمالهم، مستعيضين عنها بالبحث عن تخصّصات أقلّ تكلفة. ويشير الغندور إلى أن بعض الجامعات اتّخذت قرارات تعسّفية بحقّ الطلبة المتخلّفين عن دفع الرسوم، كما حُرم جزء كبير منهم من دخول قاعات الامتحانات. ويقول: «للأسف، لم تراعِ الجامعات ظروف الطلَبة، وحتى في ظلّ التحوّل إلى التعليم الإلكتروني، لم تُخفّض الرسوم».
من جهته، يلفت الناشط المجتمعي، سلامة أبو زعيتر، إلى أن رسوم الجامعات في العديد من التخصّصات عالية، وتكاليفها فوق قدرات الأهالي، كما تحتاج إلى تخفيضٍ بنسبة لا تقلّ عن 30%، منتقداً، في الوقت ذاته، الجُهد الذي ألقى به التعليم الافتراضي على عاتق الطلبة وذويهم من تكاليف عالية، منها توفير الأجهزة والتقنيات والإنترنت والكهرباء، في الوقت الذي تُبقي فيه الجامعات على ثبات قيمة رسومها الدراسية من دون تخفيض. ويقول أبو زعيتر: «الأصل أن الجامعات مؤسّسات وطنية خدماتية وتعليمية، وليست نظاماً رأسمالياً ربحياً نفعياً، يعظّم أرباحه على حساب الناس»، مضيفاً أن «الحق في التعليم مكفول بالقانون، ومن الواجب أن يكون مجانياً ومتاحاً للجميع».