القاهرة | تُحكم المخابرات المصرية قبضتها الأمنية على جميع الدوائر المحيطة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وينفرد مديرها، اللواء عباس كامل، بجميع القرارات، ليس المرتبطة منها بالحياة السياسية فحسب، وإنّما أيضاً تلك الخاصة بالنشاط الحكومي والمشاريع الجاري تنفيذها، فضلاً عن اختيار القيادات الجامعية والمناصب القيادية في الوزارات، بما يجعل الدولة تُدار من مكتب اللواء، وليس من قصر الرئاسة في مصر الجديدة.إزاء هذا التمدُّد، برز فصل جديد من فصول المعارضة، بعدما انتقد رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، أيمن منصور ندا، الموقوف عن العمل راهناً، الطريقة التي تُدير فيها المخابرات المشهد الإعلامي، إلّا أن ندا أحيل على التحقيق بحجّة «واقعة» داخلية في الكلية، انتهت قبل أشهر بالتفاهم، بموجب قرار من رئيس الجامعة، محمد عثمان الخشت، الساعي بدوره إلى الحصول على فترة جديدة في منصبه، مع انتهاء ولايته الحالية وتكليفه بتسيير الأعمال إلى حين صدور قرار، إما ببقائه، أو باختيار خليفة له. وخلال رئاسته للجامعة، خالف الخشت القوانين والأعراف الجامعيّة مرّات عدة، لا سيما الخاصة منها بعقود التطوير وعمليات الإسناد لمشاريع البناء، فضلاً عن كيفية تعامله مع الوكلاء والعمداء، ومحاباته البعض على حساب البعض الآخر، وغيرها من الأمور التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة. لكن هذه المرّة، اختار معارضو اللواء عباس كامل إخراج كتاب قديم لرئيس جامعة القاهرة يتحدّث فيه عن حقّ الرجل في تعنيف المرأة في كتاب حمل عنوان «المشاكل الزوجية وحلولها في ضوء الكتاب والسنة»، الذي نشر قبل 37 عاماً. وبعدما وصلت نسخة منه إلى ندا، لجأ هذا الأخير إلى صفحته عبر «فايسبوك» لمهاجمة النظام.
في البداية، حاول رئيس جامعة القاهرة تجاهل الأمر، لكن تفاعُل شخصيات حقوقية، وفي مقدّمها رئيسة المجلس القومي للمرأة، مايا مرسي، دفعه إلى إصدار بيان يتبرّأ فيه من الكتاب، ويدّعي أن ما نُشر مقتطع من سياقه، بالإضافة إلى كون الكتاب صدر في بدايات دراسته الأكاديمية. لكن اللافت أن الصراع الدائر بين المخابرات والأمن الوطني ممثَّلاً بعملاء كل منهما، أي الخشت وندا، لم يقتصر على إخراج كتاب من الدُرج، لكنه يمتدّ إلى تسريبات مصوّرة بالصوت والصورة، سواء من داخل الجامعة عندما زُوّد أستاذ الإعلام بعملية فتح لخزنة الجامعة نشرها عبر حسابه أو بتسجيلات مفبركة قيل إنها منسوبة لأستاذ الإعلام والذي جرى تحويله إلى التحقيق بعد شكوى الخشت. هذا الأخير الذي دخل في سجال، قبل سنوات، مع شيخ الأزهر، أحمد الطيب، ظهرت فيه سذاجة أفكاره وأطروحاته، اشتكى أستاذ الإعلام أمام القسم القانوني في الجامعة، بتهمة انتهاك حقوق الملكية الفكرية عبر نشر أجزاء من الكتاب عبر صفحته في موقع «فايسبوك» من دون موافقة مسبقة. لكن نتيجة التحقيق التي يُتوقّع أن تدين أستاذ الإعلام ليست نهاية المطاف، وذلك لأسباب عدّة يأتي في مقدِّمها تأييد أساتذة آخرين في كلية الإعلام، زميلَهم الموقوف عن العمل، إضافة إلى أن أجهزة الأمن التي تدعمه ستزوّده بالمزيد لإدانة رئيس الجامعة، وهو ما بات يشغل حيّزاً من النقاشات داخل المخابرات، لمعرفة ومواجهة داعمي التمرّد على قراراتها وتعليماتها.