بعد ساعات من أوّل اتّصال رسمي بين رئيس حكومة العدو نفتالي بينت، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أعلنت وزارة البيئة الإسرائيلية «التجميد المؤقّت» لاتفاق نقل نفط الخليج عبر الكيان العبري. إعلانٌ أثار تفاجؤ أبو ظبي وقلقها، على رغم أن الحديث عن إعادة دراسة الاتفاق الذي يمثّل «دُرّة تاج» المشاريع المشتركة بين الجانبَين بدأ باكراً، إثر مرور أيّام قليلة على تسلُّم بينت مهامّه، حيث عُقدت اجتماعات مُغلَقة للحكومة الجديدة في هذا الصدد، قبل أن يصدر القرار من المحكمة التي قيل إنها قرّرت، أخيراً، الإنصات إلى صوت جمعيات المحافظة على البيئة، ووزيرة البيئة جيلا غمليئيل التي قادت الحملة المضادّة للمشروع، تحت شعار «الأضرار البيئية» التي ستَنتج من نقل النفط عبر إسرائيل، فضلاً عن زيادة خطر مهاجمة حركة «حماس» المنشآت النفطية في عسقلان، كما حدث في حرب غزة الأخيرة، حيث أصاب صاروخ أطلقته المقاومة صهريجَ نفط تابعاً لشركة «تيشن» الإسرائيلية، قرب منشأة شركة خطّ أنابيب أوروبا ـــ آسيا. على أن التذرّع بـ«المخاطر البيئية» لا يبدو كافياً لتبرير قرار حكومة بينت، إذ يَظهر الأمر أكثر ارتباطاً بتوجّه عام لدى هذه الأخيرة نحو إعادة ترتيب أولوياتها، من دون المساس بجوهر «الإنجازات» التي حصدتها حكومة سلفه بنيامين نتنياهو. وهو توجّه يتساوق مع آخر مماثل لدى إدارة جو بايدن التي لا تتبع جدول الأعمال نفسه الذي أقرّه دونالد ترامب، وإن تقاطعت معه في ملفّات كثيرة.
سُجّلت أوّل محاولة إسرائيلية لإيجاد بديل من قناة السويس في عام 1968

ومن بين الاعتبارات التي قد تكون حكومة بينت أخذتها بعين الاعتبار، في هذا المجال، موقف «الصديق القديم»، المقصود به مصر، التي بدا لافتاً مسارعتها، في أعقاب إبرام الاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي، إلى الانخراط في مشروع «طريق الحرير» الصيني، الذي يتكوّن من ثلاثة خطوط برّية وجوّية وبحرية، وسيتيح، في حال تنفيذه، مرور عدد هائل من السفن عبر قناة السويس، ما سيحدّ من تأثير مشروع «دبي - عسقلان» أو أيّ طرق بديلة للقناة. ويعدّ ذلك التوجّه المصري «منطقياً»، بالنظر إلى قلق القاهرة من التأثيرات المحتملة للمشروع الوليد على السفن المارّة في «السويس»، وفق ما أعلن صراحة، في كانون الثاني الماضي، رئيس «هيئة قناة السويس» أسامة ربيع، مشيراً إلى أن «المشروع الإسرائيلي - الإماراتي يمكن أن يقلّل حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة تصل إلى 16%». ولذا، يلفت الباحث في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي» والسفير السابق في الأردن والاتّحاد الأوروبي عوديد عيران إلى أن «المصريين يرَون أن أيّ بديل لقناة السويس، يضرّ بمصالحهم الاقتصادية الوطنية»، وأن «الالتفاف على القاهرة في ذلك الشأن سيكون له ردُّ فعلٍ من الصديق القديم». والجدير ذكره هنا أن «شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية» التابعة للحكومة الإسرائيلية والتي وقّعت في تشرين الأول 2020 مع شركة «ميد ريد لاند بريدج» المملوكة لإماراتيين وإسرائيليين اتفاق إنشاء خطّ أنابيب نفط يبدأ من الإمارات، مروراً بالسعودية، وصولاً إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر، ومنه إلى ميناء عسقلان، كانت تتوقّع زيادة كبيرة في عدد ناقلات النفط الواصلة إلى الموانئ الإسرائيلية، تصل إلى حدّ 44 سفينة (من ستّ إلى أكثر من 50).
وسُجّلت أوّل محاولة إسرائيلية لإيجاد بديل من قناة السويس في عام 1968، حين أُنشئ خطّ الأنابيب «إيلات ـــ عسقلان» بالاشتراك مع إيران خلال عهد الشاه. إلّا أن النظام الجديد الذي وُلد من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 سرعان ما أنهى «الشراكة» مع إسرائيل في هذا المشروع. وبعد حرب «أكتوبر 73» وانطلاق عملية التطبيع في المنطقة تضاءلت أهمّية الخطّ، لتعود وتبرز بعد «ثورة 25 يناير» 2011 في مصر، حيث عاد الخطاب المعادي للتطبيع ليُسجّل صعوداً. وفي عام 2012 أقرّ مجلس الوزراء الإسرائيلي مشروع بناء خطّ سكّة حديد إلى ميناء إيلات لتوفير خدمة الشحن، بما يُتيح للسفن البحرية الاتّجاه يميناً إلى خليج إيلات، وتفريغ حمولتها في القطارات المجاوِرة لشحنها إلى موانئ أسدود أو حيفا، ثمّ إعادة تحميلها على السفن المُتّجهة لأوروبا. لكن المشروع توقّف مجدّداً لسببَين رئيسّين: الأول أنه لم تكُن له جدوى اقتصادية حقيقية، لمحدودية قدرة السكك على النقل وقصور ميناء إيلات عن استيعاب الناقلات الضخمة، والثاني استقرار الوضع في مصر مع قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحُكم في عام 2014.