مثَّل يوم الـ14 من شباط/ فبراير 2011 في البحرين صرخة شعبية عارمة في وجه النظام الحاكم، للمطالبة بالعقد الدستوري بين الحاكم والمحكوم، والذي انقلب عليه ملك البلاد. صرخةٌ جاء الردّ عليها في صورة قمع وحشي ليقول: «لا عقد لكم عندي، ولا عهد بيني وبينكم». مرّت عشر سنوات على انطلاق «ثورة فبراير»، حافلةً بمختلف الأحداث، لكن السنة الأخيرة حملت في روزنامتها خلاصة الأعوام السابقة وثقلها، من متغيّرات على المستوى الشعبي، وعلى مستوى «القصر الملكي» وقراراته على الصعيدين الداخلي والخارجي، وما يدور في أروقة بيت الحكم. قد يبدو القصر أكثر هدوءاً بعد رحيل رئيس الوزراء السابق وعمّ الملك، وتولّي نجل الأخير زمام أمور ولاية العهد ورئاسة الوزراء. تحوّلٌ علّق عليه البعض آمال التغيير وبدء مرحلة جديدة من «المصالحة السياسية» ربّما؛ إذ يُعدّ رئيس الوزراء السابق «زعيم مرحلة أمن الدولة» في القرن الماضي، وأحد أبرز مؤسِّسي «القبضة الحديدية الأمنية»، وخصماً شرساً لزعيم الجناح المُتشدّد في العائلة الحاكمة «المعروف بالخوالد»، وهو وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة ومَن يتبعه. على أن ذلك لا يعني انتهاء «صراع العروش»، إذ يجب على وليّ العهد، الملك المستقبلي، مضاعفة جهوده لمواجهة وزير الديوان مجدّداً، بعد أن مثّل الأخير حجر عثرةٍ أمام تمدّد صلاحيات رئيس الوزراء الراحل وهيمنته.
مَثّل الاتجاه نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني إحدى أدوات مواجهة الحراك الشعبي


لقد اختزلت "منظّمة العفو الدولية"، في تقريرها الأخير، المشهد السياسي تقريباً، ووصفت كيفية تعاطي النظام مع ثورة البحرين بأخذها نحو مسار مُروّع خلال الأعوام العشرة الماضية، وتبديد حلم آلاف البحرينيين بالإصلاح والتغيير السياسي. وسهّل ذلك الصّمتُ المشين لحلفاء السلطة من دول الغرب، ولا سيّما المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، فيما يبدو من الصعب حالياً تخمين مستقبل سلوك الإدارة الأميركية الجديدة، النسخة المُحدّثة من إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، المعاصر لانطلاق شرارة الاحتجاجات عام 2011.

سلاح التطبيع
أشرنا في مقالات سابقة في «الأخبار» إلى بعض استراتيجيات النظام في مواجهته الحراك الشعبي طيلة السنوات الماضية، وأبرزها الاتجاه نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر مختلف القنوات، وتعدُّد أوجه التعاون اللوجستي معه أمنياً واقتصادياً، ثمّ الانتقال بشكل متسارع إلى المستوى الدبلوماسي. تحضر، هنا، اللقاءات التي جمعت الملك حمد بن عيسى وحاخامات يهود متطرّفين في منتصف تسعينيات القرن الماضي في مدينة نيويورك، وما تلى ذلك من جهود تقارب قام بها وزير الخارجية السابق خالد بن أحمد آل خليفة ونظيرته في الكيان تسيبي ليفني، وصولاً إلى التمهيد الآن لتهويد المجتمع البحريني تدريجياً، بعد توقيع «عقد التطبيع» رسمياً منتصف أيلول/ سبتمبر 2020 في البيت الأميركي. وممّا تجدر الإشارة إليه، في هذا الإطار، هو دور ابنة زعيم الجالية اليهودية في البحرين، سفيرة المنامة السابقة في واشنطن هدى نونو، على رغم تحرّكها خلف الكواليس حتى هذه اللحظة. اختلفت، إذاً، آليّات التمهيد للتطبيع، لكن النتيجة والأهداف واحدة، ولم تكن اللقاءات وغيرها من صور «البروتوكول الدبلوماسي» إلّا ستاراً «للبروتوكول الفعلي» لإنجاح العملية بشكلها الحالي.

* إعلامي بحريني