ضمن جولةٍ إقليمية تنطلق مِن إسرائيل اليوم، يتوقّف وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في السودان، حيث يُتوقّع أن يصوّب بعض الالتباسات الحاصلة لجهة «حتميّة» تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب. زيارةٌ يتساوق مسارها مع ثلاث أخريات (إسرائيل، الإمارات، البحرين)، مخصّصة، وفق ما هو مُعلَن، للنظر في إمكانيّة توسيع دائرة «السلام» لتشمل عواصم عربية إضافية تعتزم السير على خطى أبو ظبي، ومن بينها الخرطوم، السائرة في اتجاه تطبيع كاملٍ للعلاقات مع واشنطن، وكلّ ما يأتي تحت هذا البند، طمعاً بمكاسب سياسية واقتصادية وأمنية، يعتقد السودان أنه سيجنيها يومَ يُرفع اسمه من القائمة الأميركية لـ»الدول الراعية للإرهاب».فَتحت زيارة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، لواشنطن نهاية العام الماضي، فصلاً جديداً من فصول العلاقات السودانية - الأميركية، تجلّت بوادره في إعلان وزير الخارجية الأميركي، آنذاك، قرب التطبيع الدبلوماسي بين البلدين بعد قطيعة دامت 23 عاماً. الزيارة التي مَثَّلت أول مؤشّر على طريق التطبيع الشامل، وعُدَّت بمثابة «خطوة تاريخية»، تبعتها دعوة رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، في شباط/ فبراير الماضي، لزيارة البيت الأبيض. دعوةٌ لا يزال هذا الأخير ينتظر الضوء الأخضر لتلبيتها، وإن كان قد مهّد لها بفتح قنوات مع إسرائيل عقب لقائه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، في الشهر ذاته، وكذا موافقته على تسليم عمر البشير إلى «المحكمة الجنائية الدولية» لارتكابه «جرائم حرب» في إقليم دارفور. كلّ هذا التزلُّف الذي مارسته الطغمة العسكرية الماسكة بالحكم، كان - وما زال - يسعى جنرال السودان من ورائه إلى رفع اسم بلاده من قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، والمدرَج عليها منذ عام 1993، بدعوى استضافته زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن. عن ذلك، تحدّث حمدوك، أول من أمس، لافتاً إلى أن بلاده قطعت خطوات كبيرة في طريقها إلى إزالة اسمها من القائمة «ما يسمح بخلق البيئة الملائمة لإصلاح الاقتصاد والاستفادة من إمكانيات البلاد والاستثمار فيها من دون قيود»، مجدِّداً استعداد حكومته لـ»التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تسهيل مثول المتهمين في ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية (...) ضدّ أبناء شعبنا». منذ الانقلاب على البشير في نيسان/ أبريل 2019، شهدت العلاقات بين الخرطوم وواشنطن تحوّلاً جذرياً هندسَ سياساته مسؤولو إدارة باراك أوباما، ليستمرّ النهج على ما هو عليه في ظلّ الإدارة الحالية، بعد عقود من عزل السودان ومحاصرته. وفي إطار استيفاء الشروط الأميركية، رُفعت العقوبات الاقتصادية عن هذا البلد جزئياً في عام 2017، وتعهّدت إدارة ترامب بـ«التفكير» في مسألة رفع اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية.
سينقل بومبيو إلى المسؤولين في الخرطوم دعمه تعميق العلاقات الإسرائيلية - السودانية


زيارة المسؤول الأميركي لا تنفصل عن هذا السياق؛ إذ يفيد البيان الصادر عن وزارة الخارجية بأن بومبيو، بعد زيارته إسرائيل واجتماعه مع نتنياهو لمناقشة عدد من القضايا الإقليمية المهمّة، سينتقل مباشرةً إلى السودان، للقاء كلّ مِن رئيس الحكومة ورئيس «المجلس السيادي»، والتعبير عن «دعمه تعميق العلاقات الإسرائيلية - السودانية». وعلى رغم المؤشرات الدالّة على سلوك السودان الطريق إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما برز جلياً في تصريحات الناطق السابق باسم الخارجية السودانية، حيدر البدوي، بعد ستة أشهر من لقاء البرهان - نتنياهو في أوغندا، لا تزال الخرطوم تحاذر خطوة من هذا النوع، وخصوصاً في ظلّ رفض طيف واسع من السودانيين تطبيع العلاقات. يبقى أكيداً أن الإدارة الأميركية ستضغط في اتجاه اعتراف السودان بإسرائيل، في مقابل إزالة اسمه من قائمة الإرهاب، والمساهمة في حلّ مسألة الديون الخارجية المتراكمة على هذا البلد، الذي تخوض حكومته الانتقالية محادثات شاقة لإقناع الأطراف الدائنين بتخفيف أعباء الديون الأجنبية البالغة 62 مليار دولار. لكن احتمال رفع العقوبات، في حال تطبيع السودان علاقاته مع إسرائيل، لا يزال أمراً مستبعداً، ولا سيّما أن العقوبات مرتبطة بالكونغرس، وليس بالإدارة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا