قارب عدد المرات التي اعتقل فيها علي سعد، أو استدعي للتحقيق، ثماني عشرة. أما التهم التي يلاحق بسببها فهي «تفوق قدرات المُبصرين» كما يقول، ساخراً من السلطات التي تعتقله، ومذكّراً بإصابته في عينيه التي أفقدته النظر قبل خمس سنوات. سعد، ابن الـ 29 ربيعاً، متهم بإنشاء خلية إرهابية والتحريض على كراهية النظام، بالإضافة إلى التحريض على استخدام القوة ضد رجال الأمن، وأخيراً الاستيلاء على كاميرا لأحد عناصر الاستخبارات. وقد جرى اعتقاله في 14 أيار 2013 الماضي من مسقط رأسه بلدة «الدية» من قبل ميليشيات مدنية مدعومة بعناصر أمنية مسلحة، وبطريقة وحشية.
«الأخبار» استطاعت، عبر وسائلها الخاصة، لقاء سعد في سجنه، واستعادت معه جزءاً من حكايته مع النظام، والتي تسبق انطلاقة الحراك الشعبي ضدّه في 14 شباط 2011. فهو ناشط منذ انتفاضة التسعينيات في القرن الماضي، التي اندلعت شرارتها في كانون الأول عام 1994. وما انفجار سيارته في 29 نيسان 2009 إلا خطوة في سياق الملاحقة التي كان يتعرّض لها من قبل النظام.
يروي سعد أنه سبق الانفجار تهديد بالتصفية الجسدية، أوصله له أحد المعتقلين في أواخر عام 2008. الأخير كان معتقلاً من الضابط ذي الأصول الأردنية في التحقيقات عيسى المجالي، وقد بعث له برسالة واضحة مفادها أنك تحت عيوننا ونستطيع الوصول إليك أينما كنت وكيف ما نشاء.
وفي هذا السياق، يضع علي الانفجار الذي تعرّض له في بلدته الديّة، والذي تسبّب بمقتل صديقه موسى جعفر خليل (29 عاماً)، فيما فقد هو البصر كلياً. يومها دخل في غيبوبة استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع، بعدها جرى اعتقاله لمدة سبعة أشهر وعشرين يوماً، واجه خلالها «أبشع صنوف التعذيب والمعاملة الوحشية اللاإنسانية على أيدي عناصر ضباط من جهاز أمن الدولة»، وهم «بدر ابراهيم الغيث، سيد باقر الوداعي، يوسف المناعي وعدنان الضاعن»، وآخرون لم يتمكن من التعرف عليهم. ويقول سعد «لا فرق عندي أبصرتهم أو لا... فكلها سوداء..!»
لم يكن هذا التهديد الأول الذي يتلقاه علي. «هدّدتني الأجهزة الأمنية قبل الحادث مرات عدة، إن لم أتوقف عن نشاطي السياسي، بتلفيق تهمٍ مختلفة لي كحيازة المتفجرات والتدريب على استخدامها وصنعها». وبالفعل، لُفّقت له هذه التهم بعد تفجير سيارته بزرع عبوةٍ فيها فجّرت عن بعد. «وبهذا نفّذ المجالي تهديده لي بالتصفية، وبدل أن أكون ضحية أصبحت متهماً، وبقي ملفي مفتوحاً بصورة دائمة لدى السلطة وعناصرها الأمنية».
بعد الإفراج عنه، سافر علي إلى بريطانيا لتلقي العلاج (أواخر عام 2009). وفي الوقت نفسه كان يحضر جلسات المحاكمة التي انتهت بصدور حكم بسجنه لمدة عشر سنوات في عام 2010. «عندها بقيت متخفّياً، وجرى القبض عليّ في 29 كانون الثاني 2010 ثم أفرج عني في 23 شباط 2011، ثم اعتقالي في أيار 2013 أثناء حملة مداهمات قامت بها الجهات الأمنية لبلدة بني جمرة غربي العاصمة المنامة في إحدى المزارع التي كنت مختبئاً فيها»، لافتاً إلى أنه لم يكن المقصود يومها «بل جرى اعتقالي صدفة».
وبالرغم من تحرك المنظمات الحقوقية والإنسانية، بما فيها منظمة العفو الدولية، للإفراج عن علي، إلا أن النتائج «كانت صفر كالعادة مع تعنت النظام وتجاهله كل التقارير الدولية والحقوقية التي تدينه».
في 23 شباط 2011، تم الإفراج عن علي سعد مع بقية المعتقلين السياسيين إبان المطالبات التي رفعها المحتجون في ثورة 14 فبراير 2011 في دوار اللؤلؤة _ مركز الاحتجاجات الشعبية. ويقول سعد «استبشرت خيراً حين اندلعت الثورة باعتبارها حدثاً حمل تطلعاتي وآمالي كبقية شباب البحرين. نحن نتطلع إلى غدٍ مشرقٍ يبتسم للحرية واحترام حقوق الإنسان، وإعادة حقوق الشعب المصادرة وأن يكون مصدراً للسلطة بحكم نفسه بنفسه». يذكر أن سعد خرج من سجن جو المركزي إلى مبنى التحقيقات، «ثم إلى الدوّار مباشرة، وتنشقت في طريقي عبق الحرية، وأحاسيسي كانت ممزوجة بالفرح لقيام الثورة». كان حزيناً لأنه لا يستطيع رؤية ما يدور حوله «لكن، صحيح أنهم أخذوا بصري، إلا أنهم لم يتمكنوا من أخذ عزيمتي وبصيرتي، ومهما طال انتظار الصباح فسوف تشرق شمس الحرية والكرامة».
ومنذ اللحظات الأولى التي سمع فيها سعد بما يجري في الدوّار مع انطلاق ثورة 14 فبراير، كان يدرك أن «الطريق طويلة، ومليئة بالعقبات والأشواك، وتحتاج إلى المزيد من التضحيات، وإن كنت فاقداً للبصر، إلا أنني أدرك أن هذا النظام طبيعته انتقامية من كل من يعارضه في الساحات».
وبالفعل، اعتقل علي مجدداً في أيار 2013 الفائت، وجدّدت محكمة بحرينية قبل أيام سجنه مدة شهر آخر. وعن هذا التجديد، يقول علي «في كل مرة يمدّد فيها سجني تزداد ثقتي بأن ملفي لن يغلق بشكل عادي. أنا واثق بأن شعبنا لن يتوقف ولن يتنازل عن مطالبه المشروعة، مهما فعل بنا النظام من قتلٍ وبطشٍ فلا بد للنصر أن يأتي والقيد أن ينكسر».
انتشرت صورة لعلي سعد على مواقع التواصل الاجتماعي وهو مكبل اليدين في المستشفى؛ علّق عليها سعد قائلاً بأني ومن خلال «الأخبار» أقول إن هذا نموذجٌ بسيط لمعاناة المعتقلين، داعياً المنظمات الدولية والرأي العام الدولي إلى «زيارة الزنازين للوقوف على معاناة المعتقلين من سوء المعاملة وإهمال الرعاية الصحية، ولا سيّما المصابين بفقر الدم المنجلي وإصابات رصاص الشوزن المحرم دولياً». كما وجّه رسالة إلى المجتمع الدولي، خصّ فيها الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية والدول الغربية بالقول: «إنكم تشهدون الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب البحريني وقتل المواطنين بدمٍ بارد، إلا أنكم تقفون مكتوفي الأيدي وفضلتم التزام الصمت حفاظاً على مصالحكم مع النظام المجرم الفاسد، وعليكم الاستخفاء بعد سقوط هذا النظام». كما وجّه رسالة إلى عوائل الشهداء، قائلاً لهم «أنتم فخر هذه الثورة، وقادة المعارضة المعتقلين نبراس لنا، وأحثّ الشباب على مواصلة المسير في طريق ثورة 14 فبراير من دون توقف حتى النصر».
أحمد...