بحصيلة ثقيلة تصل إلى 1595 انتهاكاً ما بين شباط/ فبراير 2011 وكانون الأول/ ديسمبر 2019، يُشكّل عام 2019 علامة فارقة على صعيد استهداف السلطات البحرينية للحريات الصحافية وحرية الرأي والتعبير. هو واحد من أسوأ الأعوام منذ بدء الأزمة السياسية والأمنية في البلاد. الانتهاكات التي شهدتها البحرين منذ عام 2011، والتي شملت 3 حالات قتل، واعتقالات مترافقة مع ممارسة التعذيب، ومحاكمات قضائية، وأحكاماً بإسقاط الجنسية، وتشويهاً للسمعة، ومنعاً من ممارسة المهنة، ودفعاً بسياسات تمييزية سياسياً وطائفياً، وتحريضاً على الكراهية والعنف، تُعبّر بوضوح عن 10 سنوات من توحّش الدولة بوجه الصحافة والصحافيين، فضلاً عن نشطاء حقوق الإنسان والسياسيين. خلال العام المنصرم، وثّقت «رابطة الصحافة البحرينية» نحو 68 حالة تمثل انتهاكات موصوفة للحريات الإعلامية والحريات العامة، من بينها، للمرة الأولى عالمياً، تجريم متابعة أيّ من الحسابات التي تعتبرها السلطات «تحريضية ومثيرة للفتنة» في موقع «تويتر». ولا يبدو القادم أفضل؛ إذ يبحث مجلس الوزراء مشروع قانون جديداً لتنظيم الصحافة والإعلام، تُعدّ نحو 25% من مواده بمثابة عقوبات سيواجهها الصحافيون والمؤسّسات التي يعملون فيها. والأخطر من ذلك هو ربط العقوبات بقانونَي العقوبات وحماية المجتمع من الإرهاب. باختصار، هذا القانون هو جريمة مكتملة الأركان.
دولةٌ الخوف ركيزتها والانتقام ثقافتها هي دولة هشّة


السياسات الحكومية المتطرفة أتمّت مصادرة الفضاء العام، وسلّمته إلى «وحدة الجرائم الإلكترونية» التابعة لوزارة الداخلية. ولم تقتصر مفاعيل قانون «العزل السياسي» على حرمان غالبية المنتمين إلى تيارات المعارضة من حق الترشح والانتخاب، بل شملت أيضاً محاصرتهم وملاحقتهم في الفضاء الإلكتروني وفي الندوات الثقافية. وبخلاف الكوارث المباشرة المرصودة، ساهمت هذه السياسات في رواج مخيف لخطابات الكراهية والتحريض على العنف بين أبناء المجتمع، وهو ما خَلّف ويُخلّف تداعيات وأمراضاً اجتماعية خطيرة.
إن الإصلاح الحكومي المنتظر، في ما يتعلق بالحريات الصحافية وحرية الرأي والتعبير، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاحات السياسية المعطّلة، التي دعا إليها تقرير «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» (لجنة بسيوني) الصادر في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، وقبل ذلك، تجاوز حالة الانتقام المستشرية في أجهزة الدولة ومؤسساتها، السياسية والقضائية منها قبل الأمنية. إن أيّ تصحيح لعمل مؤسسات الإعلام الرسمية في البحرين، وكذلك القطاع الخاص الذي تهيمن عليه الدولة، هو في العودة الأمينة إلى ما نصت عليه «مبادئ كامدن الـ12 حول حرية التعبير والمساواة»، وأيضاً في العمل بجدية على تنفيذ التوصية الأساسية في «خطة عمل الرباط»، وهي «اعتماد تشريعات وطنية شاملة لمكافحة التمييز، مع إجراءات وقائية وعقابية من أجل المكافحة الفعّالة للتحريض على الكراهية».
ولئن كانت الدولة، مؤسسات سيادية وسياسية وأمنية، تتقدّم في ما تعتقد أنها انتصارات عريضة في سحق الحريات العامة، إلا أنها لا تتنبّه إلى أن دولةً، الخوف ركيزتها والانتقام ثقافتها، هي دولة هشّة، لا استقرار فيها ولا مستقبل لها.
* رئيس رابطة الصحافة البحرينية