دمشق | مع التغييرات التي طرأت على سوريا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ولا سيما إقرار الدستور الجديد، وإلغاء المادة الثامنة القائلة بـ«حزب البعث حزباً قائداً للدولة والمجتمع»، كان لا بدّ من تغيير المناهج التعليمية السورية. «فضلاً عن كونها قديمة، كانت أحد الأسباب التي عجّلت في ظهور الأزمة، نتيجةً لتخلفها في الشكل وعدم قدرتها على بناء الشباب السوري بناء علمياً»، يقول الباحث السياسي، بدر الدين محمد لـ«الأخبار».
لذا أُنجز المنهاج الجديد، بسرعة فائقة، لتعلن وزارة التربية أنها المرة الأولى في تاريخ سوريا التي يجري فيها تغيير المناهج، من مرحلة رياض الأطفال حتى الثانوية، على نحو كامل.
لم تقتصر التعديلات في المنهاج الجديد على الشكل، الذي تميّز بألوانه وتفرعاته المساعِدة للطلاب، فوضع حداً للرتابة والتكرار اللذين وسما المنهاج القديم، بل تعدَّت ذلك، لتشمل المضمون وأسلوب الطرح.
يتدرّج كتاب التربية الإسلامية، مثلاً، المخصّص للشهادة الثانوية، من أسس وضوابط الدعوة إلى الله، مروراً بترسيخ فكرة أن «حكم القاضي لا يحلُّ ما حرَّم الله»، وصولاً إلى مبدأ الجهاد في الإسلام وآدابه. وهو ما وضعه المدرِّس، خالد الميداني، في سياق «البحث عن تلك الوسائل التي تحصِّن الطالب السوري من الحملات الممجوجة لتشويه صورة الدين الحنيف، وسَوق الشباب إلى الالتحاق بأعداء الدين الإسلامي المتسامح».
أما في كتاب التربية الوطنية، فقد حلَّت نظريات نشوء الدولة والحكومة وتاريخ الفكر السياسي، مكان مبادئ حزب «البعث العربي الاشتراكي»، التي كانت منسوخة نسخاً في كتاب التربية القومية، المُستغنى عنه كلياً.
وكذلك، فقد اشتمل كتاب الفلسفة الجديد على نظريات العقد الاجتماعي، ابن خلدون، كارل ماركس، ابن رشد وغيرهم... حتى كتاب اللغة العربية، لم يخل من القصائد الثورية التقدمية لوصفي القرنفلي ومحمد الفيتوري وسميح القاسم وأمل دنقل، ومن نصوصٌ أدبية لغادة السمان وخليل حاوي.
وأثناء دراسته للمنهاج القديم، تمثَّلت معاناة الطالب السوري في مواجهة المشكلات البنيوية التي كانت تحكم المنهاج، حيث مثّلت التقريرية، والخطابية في بعض الدروس، إضافة إلى عدم تحفيزه الطالبَ على التفكير والاستنتاج، إحدى أهم مشكلاته، فضلاً عن تخلِّف المنهاج من حيث عمره الموضوعي، فبعض المواد غير خاضعة للتعديل منذ تسعينيات القرن الماضي.
وفي هذا الجانب، يقول الطالب الدمشقي عمار اللحام: «التساؤل الذي كان يخطر في بال كلّ طالب سوري، ما الفائدة من دراستنا محصول القمح السوري في عام 1990، ونحن نعيش في الألفية الثالثة؟ وعندما كنا نبادر أساتذتنا بالسؤال، كنا دائماً نرى أن المعلم مستاءٌ أكثر منا». وبحسب رأيه، فإن تخلّف المنهاج القديم كان قد انعكس في أداء المعلمين، الذين باتوا يعدّون التدريس «أداء واجب» لا أكثر.

في خمس وأربعون دقيقة!؟

وعلى الرغم من النقلة النوعية التي أحدثها المنهاج الجديد، برزت مشاكل عديدة عند الانتقال نحو التنفيذ. يقول الأستاذ محمد حسون، أحد معلميّ مادة الفلسفة: «المشكلة لم تكمن في رداءة المنهاج القديم فحسب، بل إنها تشمل أيضاً آليات وطرق التعليم بمجملها. ثم إن ضعف تدريب المعلمين على المنهاج الجديد جعل بعضهم يسيء إليها».
ويتساءل حسون في حديثه مع «الأخبار»: «كيف لي أن أشرح لخمسين طالبا، محشورين حشراً في قاعة التدريس، الفرقَ بين المجتمع الاشتراكي والشيوعي، أو بين الديالكتيك الهيغلي والديالكتيك الماركسي، خلال 45 دقيقة فقط؟». بينما يكشف الدكتور عقيل محفوض، أحد مقوِّمي كتاب التربية الوطنية الحديث، أن الوزارة لم تأخذ بملاحظات جميع المقوِّمين الذين أَدرجت أسماءهم في الكتاب الجديد، مما فتح ثغراً لمشكلات في الصياغة والمعلومات والانسجام، وحتى في البنى التربوية والسياسية للكتاب، ويعلّق، في حديثه لـ «الأخبار»، ساخراً: «الكتاب الجديد تنطبق عليه ملاحظات الفيلسوف الفرنسي، بيار بورديو، عن أنه إعادة صياغة ثقافية وتربوية لنفس السياسات التي تنتهجها الحكومات السورية المتعاقبة في الأداء العلمي، والتعامل بخفّة مع قضايا وطنية مؤسِّسة. وهذا ما يفسّر لماذا وصلنا إلى هنا، ولماذا انفجر كل هذا القيح بوجه الجميع، ولماذا انفجر البلد».
وفي السياق، يروي، أحد منشئي تجمع «طلاب سوريا ضد المنهاج الدراسي الجديد» على صفحات التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، أن «المشكلة في المنهاج، هي بالدرجة الأولى في السرعة البالغة بتطبيقه، كان يجب السماح للطلاب الدارسين في المرحلة الإعدادية، ضمن المنهاج القديم، بأن يستكملوا دراستهم وفق المنهاج القديم. والبدء بتنفيذ المنهاج الجديد، من الصفوف الابتدائية، تصاعدياً، إلى الثانوية».

لغات جديدة... من وحي الأزمة

أعلنت وزارة التربية السورية، في وقت سابق، عزمها على إدخال اللغة الروسية إلى المناهج التعليمية الجديدة، ليبدأ الطالب السوري بدراستها في بداية مرحلة التعليم الإعدادية. وبرغم أن الطالب سيختار اللغة الروسية أو الفرنسية اختياراً>
إلا أن ذلك لم يمنع الاتهامات التي طاولت الوزارة، بـ«تحميل الطالب السوري أوزار التغييرات السياسية». في المقابل، لفتت الوزارة في أكثر من مناسبة، إلى أن الخطوة الجديدة ليس لها دلالات سياسية، وهدفها «توسيع مصادر المعرفة وتنوعها والتعرف على الآخر والاطلاع على ثقافته وحضارته»، كما أكّدت أن كادر المعلمين سيجري تأمينه بسهولة، لكون أكثرية الأساتذة الجامعيين السوريين من الدارسين في الاتحاد السوفياتي.
وانتهجت وزارة التعليم العالي السورية نهجاً مشابهاً، حين كشفت عن قرارها ببدء تدريس اللغتين الكردية والأرمنية في كليات الآداب والعلوم الإنسانية، حيث تعد اللغتان من أكثر اللغات انتشاراً في سوريا، بعد العربية. ويُنتظر أن تكون الخطوة الأولى البدء بافتتاح دورات لتعليم اللغتين في المعهد العالي للغات، تمهيداً لإدراجهما من ضمن الاختصاصات الجامعية لاحقاً. الخطوة التي قابلتها المعارضة باتهامها للنظام بتقربه من الأكراد بعد الأحداث، انقسم حولها الأكراد ما بين مرحب بالفكرة، ومن يراها خطوة متأخرة وناقصة.




هدية لتركيا: خريطة جديدة لسوريا

اقتطعت المناهج «الإخوانية» أكثر من 5000 كيلو متر مربع من مساحة سوريا، حيث عدت لواء اسكندرون السوري المحتل جزءاً من الأراضي التركية، وبناء عليه، جرى تعديل كافة الخرائط في كتب الجغرافيا، لتزيل الخط الحدودي التي رسمته المناهج الرسمية السورية. وفي حديثه مع «الأخبار»، يؤكد الناشط المعارض، مازن ي. أنّ «هذا المنهاج ليس منهاجاً سورياً، إنه منهاج خاص بالائتلاف والإخوان المسلمين، ويجسِّد ذات العقلية الاستبدادية، وإلا بماذا يُفسَّر إدخال كلمة أحمد معاذ الخطيب في جامعة الدول العربية في دروس الصف السابع؟ ليجبر الطلاب على حفظ أقوال القائد؟». وفي خطوة ذات بعد طائفي محض، أزالت «الهيئة السورية للتربية والتعليم» صور الشيخ صالح العلي، أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في جبال اللاذقية، الذي وضعته سلطات الانتداب الفرنسية تحت الإقامة الجبرية، بعد رفضه العرض الذي قدمته إليه بإنشاء «الدولة العلوية في الساحل السوري».