لن تَرِد في القمة أي إشارة إلى دولة فلسطينية على أساس «حلّ الدولتين»
وأياً يكن، فإن اللغط الحاصل لا يلغي أصل تخطيط نتنياهو وفريقه للقمة، واستجابة الإدارة الأميركية لهما، في معطيَيْن يمكن على ضوئهما تفسير جملة تطورات شهدتها الأيام الأخيرة، إضافة إلى التقاط إشارات دالة على توجهات رئيس وزراء العدو لمرحلة ما بعد صدور نتائج الانتخابات المقبلة:
1- الواضح أن تقريب موعد إطلاق الشق السياسي من «صفقة القرن» هو قرار صادر عن نتنياهو نفسه، في حين أن الإدارة الأميركية هي جهة التنفيذ. والواضح أيضاً أن تفاصيل القمة المفترضة وكلمة ترامب خلالها مدروسة جيداً بكل تفاصيلها، لتصبّ في مصلحة نتنياهو الانتخابية. وعلى ذلك، وعلى رغم أن العنوان هو «السلام» بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أن المسُمى بعيد جداً عن الاسم، إذ سيكون في حال تحققه تظاهرة انتخابية يشارك فيها القادة العرب لتحسين النتيجة الانتخابية لنتنياهو.
2- لن تَرِد في القمة، في حال انعقادها، أي إشارة إلى دولة فلسطينية على أساس «حلّ الدولتين»، بل ستخلو كلمة ترامب منها ومن مثيلاتها. وعلى ضوء تقرير «يديعوت أحرونوت»، يبدو أن نتنياهو درس جيداً تلك الكلمة، و«فَلْترها» أيضاً كي لا تؤثر سلباً على توجّهات الناخب اليميني، لناحية عدم وجود أي «تنازل» إسرائيلي، حتى في الشكل، أمام الفلسطينيين، الأمر الذي من شأنه الحدّ من السلبيات التي كانت تمنع إطلاق الشق السياسي من «صفقة القرن» قبل الانتخابات.
3- تؤمّن القمة (لو عُقدت) لنتنياهو القدرة على المناورة السياسية في مرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات، وخاصة إن كان الحضور العربي فيها وازناً (من قادة الصف الأول مثلاً). حضورٌ تكمن أهميته في ما يعنيه من أن العرب مستعدون للمضيّ قدماً في التطبيع والتقرب من إسرائيل، من دون أي ربط بالقضية الفلسطينية. وهذه النتيجة التي سيحرص كوشنر عليها، أي الحضور العربي الوازن، تمنح نتنياهو هامشاً واسعاً من اللعب، سواء تقرّر أو لم يتقرّر التوجه إلى حكومة وحدة مع حزب «أزرق أبيض»؛ إذ سيكون بإمكانه تشكيل هكذا حكومة من دون استسلام لشروط خصومه من جهة، ومن جهة ثانية استخدام أصل إمكانية تشكيل حكومة وحدة للضغط على مكونات اليمين نفسه، لتليين مواقفها وشروطها، تمهيداً لتشكيل حكومة يمينية صافية يفضّلها على غيرها.
4- في الوقت نفسه، أن يكون نتنياهو أمام خيارين اثنين في تشكيل الحكومة: يمينية صرفة أو حكومة وحدة، من شأنه إعادة الأمل لديه بإمرار قانون الحصانة الذي يجنّبه المحاكمة على خلفية اتهامات بتلقي رشى وفساد. وهذا العامل يُعدّ على رأس اهتمامات نتنياهو، وعنصراً رئيساً من عناصر تحريك توجهاته السياسية.
5- على هذه الخلفية أيضاً، بات واضحاً السبب الرئيس، إلى جانب أسباب أخرى، الذي دفع نتنياهو إلى الضغط على المجلس الوزاري المصغر للموافقة على بناء 700 منزل فلسطيني في المنطقة (ج) في الضفة الغربية، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة بموجب اتفاقات التسوية مع السلطة الفلسطينية. وهو قرار، سواء نُفذ أو لم يُنفذ، يرى نتنياهو أنه يمثل «خطوة تنازل» من شأنها مساعدة كوشنر على إقناع القادة العرب بحضور قمة كامب ديفيد.
في المشهد الكلي، تتظهّر مجدداً الحقيقة المخزية للحكام العرب، على أنهم باتوا مجرد أدوات تستخدمها إسرائيل لتحقيق مصالحها، ليس فقط في ما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية، بل أيضاً في التنافس السياسي الداخلي. وهذه الحقيقة لا يغير شيئاً منها إن عُقدت قمة كامب ديفيد أو رأى نتنياهو من جديد ضرورة تأجيلها، كما لا يغير من مستوى الخزي إن كان الحضور العربي في القمة وازناً أو غير وازن، فالمهم هو النظرة الإسرائيلية والأميركية نفسها للحكام العرب.