عمان | ذكرت وسائل إعلام عبرية، الأحد الماضي، أن الأمن الإسرائيلي بالتعاون مع قوات من الجيش، أحبط ليلة الجمعة الفائتة عملية تهريب أسلحة خفيفة من الأراضي الأردنية. وفي التفاصيل، أن الشرطة اشتبهت في شخص يحمل حقيبة وينقلها إلى الأراضي المحتلة، ليتسلّمها شخصان، كان في انتظارهما شخصان آخران في سيارة. وتم إلقاء القبض على الأربعة الذين تبيّن أنهم جميعاً من باقة الغربية القريبة من طولكرم، والتي يُتبعها الاحتلال للواء حيفا، فيما ظلّ مصير الشخص الذي مرّر الحقيبة من الأراضي الأردنية مجهولاً.حتى اللحظة، لا تعليق أردنياً رسمياً على الخبر، على رغم أن أيّ نبأ من هذا النوع يلفت انتباه الجميع في بلد شهد سلاماً مع الاحتلال منذ العام 1994، وحرص على كبح جماح الرفض الشعبي، حتى أضحت مجابهة التطبيع «مناسباتية» ومحصورة في النخب السياسية المعارضة. لكن عمّان، التي تعيش حالة من الارتباك السياسي في انتظار الكشف عن «صفقة القرن» الأميركية، لا تريد على ما يبدو أي «مناوشات» مع إسرائيل في الوقت الراهن.
تعرف تل أبيب جيداً أنها تمتلك أطول حدود برية آمنة مع الأردن (نحو 340 كلم)، لم يُسجّل عبرها خلال ربع قرن (هو عمر «معاهدة السلام») أيّ تهديد حقيقي. كل ما تمّ الإعلان عنه حوادث متفرقة تم إحباطها من قِبَل الجانب الإسرائيلي، كما في العام 2014 حين تم ضبط أسلحة مهرّبة على طوافة عبر البحر الميت، قالت التقارير الإسرائيلية في حينها إنها متوجهة إلى جهات «فتحاوية» تحضيراً لمرحلة ما بعد محمود عباس، أي إن استخدامها مقرون بالاقتتال الفلسطيني الداخلي وليس بمجابهة الاحتلال. وقبيل الإعلان عن العملية الأخيرة الأسبوع الماضي، كان تقرير آخر في بداية العام الحالي تحدث عن ضبط أسلحة مع عناصر معروفين من حركة «فتح»، تولّوا عمليات التهريب من سوريا إلى الداخل الفلسطيني، عبر الأردن، خلال العامين الماضيين.
يعزّز الاطمئنانَ الإسرائيلي حرص عمّان على صيانة مصالح تل أبيب، وهو ما أرسى هدوءاً شبه تام بين الجانبين، إذ منذ عملية إطلاق النار على طالبات إسرائيليات في منطقة الباقورة عام 1997، والتي قام بها الجندي الأردني أحمد الدقامسة (تم الإفراج عنه من السجون الأردنية في العام 2017 بعد انقضاء محكوميته البالغة 20 عاماً)، لم يخرق هذا الهدوء سوى حادثة السفارة الإسرائيلية في تل أبيب قبل نحو عامين، والتي أثارت زوبعة سرعان ما خمدت لتعود الأمور إلى الوتيرة نفسها.
لكن ذلك لا يمنع ظهور ملفات بعض المتهمين المعروضين على محكمة أمن الدولة العسكرية في قضايا متعلقة بإسرائيل، إلى العلن، من حين إلى آخر، مثلما حدث أخيراً في الحكم على أردنيَّين في العشرين من العمر بالسجن عشر سنوات، بتهمة اعتزام تنفيذ «عملية عسكرية إرهابية» ضد جنود إسرائيليين. أما الطالب جاسر أبو هيفا، فقد صدر بحقه حكم بداية نيسان الحالي بالسجن لمدة خمسة أعوام، بتهمة التخطيط لاغتيال السفير الإسرائيلي لدى عمّان.
هذا الاستعراض يؤدي إلى خلاصة مفادها أن إسرائيل ترمي من وراء الإعلان عن مثل هذه عمليات إلى ضرب عصفورين بحجر واحد؛ فهي تكاشف الرأي العام الداخلي بقوتها وضبطها للحدود من جهة، كما تناكف الأردن من جهة أخرى وتحرجه إعلامياً وتُذكّره بنوع من التقصير، خصوصاً في ظلّ ازدياد الحساسية بين الجانبي منذ إعلان الملك عبد الله في تشرين الأول الماضي عدم رغبته في تجديد ملاحق وادي عربة المتعلقة بالباقورة والغمر (راجع «الأخبار» 22 تشرين الأول 2018)، فضلاً عن المناوشات المرافقة للأحداث عند باب الرحمة، وعدم التوصل إلى صيغة يقبلها الأردن من دون المساس بهيبة الوصاية الهاشمية.
من ناحيته، يناكف الأردن، إسرائيل، بدبلوماسية، في موضوع اتفاقية الغاز، التي اختلفت أخيراً اللهجة الرسمية في تناولها، وكأنها الوليد الذي يريد الجميع التنصل من أبوته. كما بدا واضحاً تزايد مسيرات الولاء المؤيدة لـ«جهود الملك» ضد «صفقة القرن»، والداعمة للوصاية الهاشمية، ووصل الأمر حدّ حرق علم إسرائيلي كبير في مدينة السلط الأردنية المطلة على الضفة الغربية، في حركة استفزّت تل أبيب، إلى درجة أنها اشتكت رسمياً قبل فترة وزيرة أردنية داست العلم الإسرائيلي المرسوم على مدخل النقابات المهنية الأردنية.