بعد انقضاء نحو ثلاثة أسابيع عن «مؤتمر باليرمو» الذي نظمته إيطاليا بحثاً عن مخارج للأزمة الليبية، التقى صباح أمس، قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق البلاد وأجزاء من جنوبها، برئيس الحكومة الإيطالية، جوزيبي كونتي، في قصر «كيجي» في روما. هذا الاجتماع، الذي سبقه لقاء غير معلن بين حفتر وسفير الولايات المتحدة في تونس، دانيال روبنستين، وفق تسريبات من وسائل إعلام إيطالية، ركز على «دعم عمل الممثل الخاص، ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، غسان سلامة»، كجزء من «عملية إحلال الاستقرار في البلاد»، بحسب ما جاء في بيان رئاسة الحكومة.لقاء حفتر مع الأميركيين والإيطاليين على هذا النحو، يحمل رسائل كثيرة. من جهة، يمثل إشارة إلى بداية تحول العلاقة بين حفتر وإيطاليا، من الرفض إلى الاعتراف المتبادل، إذ لم يتردد العسكري الليبي سابقاً، في التعبير عن استهجانه من سلوك المستعمر القديم، وتحالفاته مع جهات فاعلة في طرابلس ومدينة مصراتة القوية عسكرياً وسياسياً. بدورها، فضلت إيطاليا في الأعوام الماضية، تهميش حفتر لمصلحة دعم قوى في غرب البلاد، بحثاً عن احتواء النقاط الشاطئية، التي تخرج منها قوارب الهجرة غير النظامية، وكذلك لتمتع حفتر بإسناد عسكري واستخباراتي من غريمتها فرنسا. من جهة أخرى، لم يكن موقف الولايات المتحدة مختلفاً كثيراً عن إيطاليا، فلم تُظهر حماسة كبيرة لـ«عملية الكرامة». وحصرت تدخلها في ليبيا في دعم حكومة «الوفاق» سياسياً، عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها، وكذلك عسكرياً واستخباراتياً من خلال التنسيق معها لشن ضربات على تنظيم «داعش»، بدأت مع عملية «البنيان المرصوص» لتحرير سرت عام 2016، وما زالت مستمرة حتى الآن.
بموازاة ذلك، اجتمع في الأيام الماضية رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، بوفد ممثل لـ«المجلس الأعلى للدولة» لمناقشة تفاصيل الاتفاق الأخير بينهما، حول تكوين «مجلس رئاسي» جديد. جرى اللقاء في مدينة الإسكندرية في مصر، حيث يملك صالح منزلاً هناك، وبحسب تصريحات بعض المشاركين، تسير المشاورات على نحو إيجابي. من ناحية أولى، جرى تثبيت خيار تقليص عدد أعضاء «المجلس الرئاسي» إلى رئيس وعضوين، بدل رئيس وثمانية أعضاء، وفصله عن الحكومة، كما جرى الاتفاق أيضاً على توحيد «المناصب السيادية»، والمقصود بذلك رؤساء عدد من المؤسسات، أهمها «المصرف المركزي» و«المؤسسة الوطنية للنفط»، إذ توجد الآن، مؤسسات موازية لها في شرق البلاد، لا تتمتع باعتراف دولي، لكنها تمارس سلطة محدودة، منها إقدام المصرف المركزي الموازي، في الأعوام الماضية، على طبع كميات من العملة في روسيا، وضخها في السوق.
تتجه العلاقة بين حفتر وإيطاليا أخيراً من الرفض إلى الاعتراف المتبادل


بدوره، لم يبق رئيس حكومة «الوفاق الوطني» الحالي، فائز السراج، مكتوف الأيدي أمام هذه الجهود لتنحيته. فبالإضافة إلى تحوله إلى الأردن والكويت في الأيام الماضية، حيث التقى الملك عبدالله والأمير جابر الصباح، استقل الرجل طائرة إلى بروكسيل، التي احتضنت اجتماعات «حلف شمال الأطلسي»، وقابل يوم الثلاثاء، وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو. ويرى مراقبون أن الهدف الرئيسي للسراج من هذا اللقاء الوجيز، الذي استمر لـ35 دقيقة فقط، هو إثبات أنه يحظى بدعم واشنطن وثقتها، التي بدأت أخيراً في تجديد اهتمامها بالملف الليبي. نال الرجل ما يريد، حيث نشر بومبيو تغريدة على حساب في «تويتر»، أول من أمس، قال فيها: «اجتماع جيد جداً مع رئيس الوزراء الليبي السراج». وأضاف: «أعدنا تأكيد دعمنا للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، وعمله مع الليبيين في اتجاه (تنظيم) الملتقى الوطني والمسار الانتخابي. هدفنا المشترك هو (الوصول إلى) ليبيا مستقرة وموحدة، قادرة على الاضطلاع بأمن جميع الليبيين وازدهارهم الاقتصادي».
لم تقف سلسلة اللقاءات المعقودة خارج ليبيا عند هذا الحد، إذ نظم «مركز الحوار الإنساني»، بتكليف من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، لقاءً تشاورياً، أمس، حول التقرير النهائي الذي تمخض عن عشرات اللقاءات، مع تجمعات للمواطنين جرت داخل ليبيا. عُقد الاجتماع في تونس، وحضرته شخصيات ممثلة لجهات البلاد الثلاث، الشرق والغرب والجنوب، ولمختلف التيارات السياسية، حيث جاء أعضاء من البرلمان، وآخرون من «المجلس الرئاسي» و«المجلس الأعلى للدولة»، وكذلك بعض الشخصيات المحسوبة على نظام القذافي، على غرار آخر رئيس لـ«المؤتمر الشعبي العام» (البرلمان)، محمد أبو القاسم الزوي، وآخر رئيس لـ«جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية»، علي الدبيبة (مع ذلك أعلنت «الحركة الوطنية الشعبية الليبية»، التي تدافع عن «فكر» القذافي، منع ممثلها من دخول تونس). تضاف إلى هذا الزخم، مجموعة أخرى من الأحدث التي تمت هذا الأسبوع، منها لقاءات مكثفة قامت بها نائبة المبعوث الدولي، الأميركية ستيفاني ويليامز، مع نواب برلمانيين ونشطاء من المجتمع المدني داخل ليبيا، وتوجيه سيف الإسلام القذافي رسالة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يشرح فيها له رؤيته للحل ويدعوه لدعمها.
يبدو أن هذه التحركات لن تهدأ قريباً، بل ستشتد مع اقتراب انعقاد «الملتقى الوطني»، الذي قال سلامة إنه سيلتئم بحلول ربيع العام المقبل، وموعد الاستفتاء على الدستور، الذي سيتم في النصف الثاني من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وفق ما أعلن، أمس، رئيس «المفوضيّة الوطنية العليا للانتخابات»، عماد السايح.