بتغطية أميركية متجدّدة وغير موارِبة، صعّد تحالف العدوان على اليمن هجومه على مدينة الحديدة، بادئاً ما ظهر أنها حملة «أرض محروقة» من أجل إحداث خرق في المدينة الساحلية، وقطع طرق الإمداد الرابطة بينها وبين العاصمة صنعاء. حملة سرعان ما استبقت الامبراطورية الإعلامية الخليجية نتائجها الفعلية على الأرض بعمليات التضخيم والتهويل المعتادة، والتي استكملتها القيادات الموالية لـ«التحالف» بإعلان السيطرة النارية على منطقة كيلو 16 الواصلة بين صنعاء والحديدة. لكن ما هي إلا سويعات حتى انكشفت تلك العمليات عن مقتلة استُدرجت إليها الميليشيات المدعومة إماراتياً، لترتدّ على إثرها إلى حيث بدأت هجومها.وأعلنت القوات الموالية لـ«التحالف»، أمس، سيطرتها على منطقة كيلو 7 عند المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، بعد «تطهير قوس النصر ومنطقة كيلو 10 من ميليشيات الحوثي»، في حين تحدثت الوسائل الإعلامية السعودية والإماراتية عن «قطع جميع خطوط إمداد الميليشيات إلى منطقة كيلو 16»، التي أصبحت «تحت السيطرة النارية للجيش الوطني». لكن مصادر مطلعة نفت، لـ«الأخبار»، صحة تلك المزاعم، موضحة ما حصل ظهر الأربعاء بالقول إن الجيش اليمني واللجان الشعبية أفسحا المجال أمام الميليشيات المدعومة إماراتياً للتقدم بضعة كيلومترات في منطقة كيلو 10، من أجل الوصول بها إلى منطقة الجميشة (وهي إحدى المناطق التي يمرّ عبرها خطّ صنعاء - الحديدة)، حيث كانت القوات المشتركة قد أعدّت لها كميناً محكماً وهجوماً من الاتجاهات كافة أوقع في صفوفها خسائر بشرية ومادية فادحة.
هذه الخسائر فنّدتها وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ، مُبيّنةً، في حديث مصدر فيها نشرته وكالة «سبأ» الرسمية التابعة لسلطات صنعاء، أن الجيش واللجان كبّدا الألوية المهاجِمة، والبالغ عددها ثلاثة «يتقدمّها لواء المدعو اللحجي»، 14 قتيلاً وأكثر من 30 جريحاً أغلبهم في حالة حرجة. وأفاد المصدر بأن الكمين أدى، كذلك، إلى تدمير ثماني مدرعات أميركية من نوع «أشكوش»، وأربعة أطقم عسكرية. وأكد «كسر الزحف الواسع الذي سانده طيران العدوان بأكثر من 50 غارة»، أدت إلى مقتل ما لا يقلّ عن 10 مدنيين وإصابة 20 آخرين. ووفقاً لمصدر في مكتب الصحة في مدينة الحديدة، فإن طيران «التحالف» استهدف المدنيين في فرزة صنعاء وفي منطقة الكشوبع في كيلو 16، ما أسفر عن سقوط 30 ضحية بينهم نساء وأطفال. وأشار المصدر إلى أن الطيران منع، لساعات، فرق الإسعاف من الوصول إلى مكان الجريمتين.
توجّه مارتن غريفيث إلى سلطنة عُمان التي سينتقل منها إلى صنعاء


الجريمتان الجديدتان وما سبقهما وما سيلحقهما، تجد السعودية والإمارات في الموقف الأميركي غطاءً ممتداً للاستمرار في ارتكابه، من دون الاكتراث لنداءات المنظمات الدولية. وهو غطاء تولّى وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أمس، تأكيده، بادعائه، في بيان في شأن شهادته أمام الكونغرس، أن الرياض وأبو ظبي «تتخذان إجراءات ملموسة لخفض الخطر على المدنيين والبنية التحتية المدنية، والذي تتسبب به العمليات العسكرية لهاتين الحكومتين». شهادة زور سرعان ما أثارت انتقادات من قبل الجماعات الحقوقية والشخصيات الرافضة لحرب اليمن، ومنها منظمة «أوكسفام أميركا»، التي رأت أن شهادة بومبيو «تظهر أن وزارة الخارجية تقدم الدعم الأعمى للعمليات العسكرية في اليمن، من دون أي التزام بالحقائق أو القانون الأخلاقي أو الإنساني». ووصف العضو الديموقراطي في الكونغرس، رو خانا، من جهته، تلك الشهادة بأنها «مهزلة»، قائلاً في تغريدة على «تويتر»: «لقد قصف السعوديون عمداً حافلة مليئة بالأطفال. هناك إجابة أخلاقية واحدة فقط: إنهاء دعمنا لهذا التدخل في اليمن». وطالب سكوت أندرسون، من معهد «بروكنغز»، بدوره، الكونغرس بـ«طلب الحصول على مزيد من المعلومات على أساس شهادة بومبيو، ومواجهته إذا لم تكن المعلومات كافية».
وعلى رغم أن بعض المسؤولين والمحللين الغربيين يعتقدون أن «الرياض بدأت تفقد تأييد مجلس الشيوخ الأميركي، والمملكة المتحدة، إلى جانب كونها باتت تفتقد بالفعل تأييد الكثيرين في ألمانيا وإسبانيا» وفق ما ذكرت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، إلا أن لا شيء إلى الآن يدل على إرادة غربية، وتحديداً أميركية، في إنهاء الحرب، وهو ما يجعل جهود المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الذي توجّه أمس إلى سلطنة عمان، غير ذات معنى. وفي انتظار تبدل الموقف الأميركي، يصرّ تحالف العدوان على محاولته تحقيق إنجاز في مدينة الحديدة، إذ إن «الكل يعتقد أن (السيطرة على) الحديدة أمر مستحيل. وسنثبت لهم خطأهم» وفق ما نقلت «رويترز» عن مصدر كبير في «التحالف». إصرار يبدو أقرب إلى التعنّت والنزق منه إلى الإرادة المستنِدة لمعطيات واقعية، حتى في نظر المراقبين المحايدين، الذي يصفون الخطة السعودية - الإماراتية للسيطرة على الحديدة بـ«استراتيجية بونكرز» (في إشارة إلى شخصية كرتونية غبية)، مؤكدين أن قوات «التحالف» «هشّة تماماً، وسوف يتمّ إذلالها»، وفق ما يرى وزير التنمية الدولية السابق في المملكة المتحدة أندرو ميتشيل. ويعتقد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، توم توغندات، من جانبه، أن الرياض وأبو ظبي «ترتكبان خطأ استراتيجياً من خلال سعيهما إلى إحكام سيطرتهما على الحديدة»، لافتاً إلى أن القوات الموالية لهما «غير مجهّزة من أجل العمل كإدارة مدنية في الحديدة».