■ ما المختلف في تجربة الإضراب الثانية؟هذه التجربة أكسبتنا ــ نحن الفلسطينيين ــ انتصاراً جديداً على المحتل والسجان الإسرائيلي، وأعطت روحية جديدة لشعبنا ومقاومته أكثر من قبل، وقالت لكثيرين إن من الممكن الانتصار، بل من الواجب الانتصار على الاحتلال وكسره. لم يكن كثيرون يتوقعون أن أخرج من السجن، لكنني تحررت بفضل الله وقوته. صحيح أن الإضراب السابق (2012) كان فيه زخم شعبي وجماهيري وإعلامي أكبر، لكن قيمة هذا الانتصار أعلى.
اللافت أنه في هذا الإضراب تزايد التكاتف الفلسطيني من الداخل المحتل والقدس، بل تمايزوا عن غزة والضفة. ربما هذا يعود إلى حالة الانقسام السياسي. أكنّ الامتنان لأهلنا في القدس والداخل. صوتهم وصلني، وكانوا على بعد مترين عن سريري، بل حاولوا فتح شباك غرفتي.

■ هل هذا كان سبب انتصارك؟
نعم، أدخل أهالي القدس والداخل الرّعب إلى قلب السجان بهتافهم، مثلما أدخلت تصريحات الدكتور رمضان عبدالله (الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي) الرعب إلى قلب القيادة الإسرائيلية، التي حركت «القبة الحديدية» خوفاً من رد فعل المقاومة في حال استشهادي. لم يقدِّر الاحتلال أن خضر عدنان سيعود إلى الإضراب، بل أكشف أن بعض السجانين وقادة الأمن والمخابرات كانوا يقولون للأسرى إننا ننتظر اللحظة التي يضرب فيها خضر. قالوا سيبدأ خضر إضراباً لكنه لن ينهيه، وسينتهي الإضراب باستشهاده، ثم تنتهي الإضرابات عن الطعام. ها أنا خرجت حياً ومنتصراً.

■ في تقديرك، ما سبب تراجع التضامن الشعبي والرسمي؟
شخصياً، كنت أدعو خلال إضرابي إلى ألا يتضرر أحد، لا اعتقالاً ولا استشهاداً، وكنت أدعو الله إلى أن يخفف عني لأنني في الإضراب السابق شعرت بأن بعضهم تمنّن عليّ بوقفته معي. أيضاً، في الإضراب السابق، استضاف الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الأهل، ولكن هذه المرة لم يحدث ذلك قبل الإضراب أو بعده. حقيقة، لا أفهم لماذا ذلك حتى لو اختلفنا (سياسياً)! أضربت عن الطعام من أجل الحرية والعزة، وهذا إضراب لكل الفلسطينيين.

■ كيف ترى مستقبل الإضراب عن الطعام كوسيلة ضغط؟
أتمنى أن تعم الفائدة على الأسرى، وأن يشحنوا أنفسهم بروحية أكثر، وخاصة بعد تراجع الخطوات الجماعية في السجون. لا أحب أن أخوض إضراباً وحدي، لكن الحركة الأسيرة لم تخض إضرابات جماعية منذ 2004، وحتى في إضراب 2012 لم يضرب كل الأسرى بسبب الانقسام وتأثير الأحزاب. من المهم أن يعلم الناس أن الأسرى لا يريدون أموالاً فقط، بل يريدون حاضنة اجتماعية تسد الفراغ بغياب الأسير ــ أو حتى الشهيد ــ عن أهله. أرفض أن يظل الأسير أيقونة نتحدث عنها فقط، بل يجب أن يتحرر.

أقول لكل الضفة لا تأخذوا تصاريح
لدخول القدس، فهناك طرق أخرى

■ كيف كان موقف العائلة، وهل أثّر خوفهم من استشهادك في الإضراب؟
أسرتي تفهمت خطوة الإضراب، وعملت جهدي لأقنعهم أكثر، لأنه في المرة الثانية لم أضرب منذ بداية اعتقالي، بل بعد تسعة أشهر في السجن. فعلت ذلك (تأخير الإضراب) لأبرهن للكل أنه إن لم أضرب لن أتحرر. طوال تسعة أشهر، من منهم عمل على إطلاق سراحي؟
بداية، أضربت سبعة أيام فقط لأقرع الخزان، وفعلاً بعد التمديد الثالث أضربت برغم معرفتي وتحذير الأسرى بأن الاحتلال سيأخذني إلى المربع الذي يريد، فالمحققون كانوا يقولون خضر عدنان انتصر مرة، لكننا ننتظره أن يحاول مرة أخرى حتى لا ينتصر.

■ هل فكرت بينك وبين نفسك بأن تتوقف أو تتراجع؟
كنت على يقين من البداية بأن من يقدم على هذه الخطوة لا يمكن أن يتراجع حتى لو استشهد. بالعكس، أتمنى أن يتحرر الأسرى من دون جوع أو ألم، وعلى من هو ضد الإضراب أن يعمل على تحرير الأسرى بطرق لا تتضمن الإضراب إذا كان في وسعه ذلك.

■ وهل تخشى أن يعاد اعتقالك في أي لحظة؟
نحن تحت الاحتلال. كنا ولا نزال كذلك. بالطبع، فإنني بإضرابي لم أسع إلى VIP من إسرائيل، بل يكفي حاضنة شعبي وأحرار العالم، فهي التي تجعل الاحتلال يقلق من أن تلتقط صورة لخضر عدنان وهو مكبّل بيده اليمنى وقدمه اليسرى، في تكبيلة يسميها هو تكبيلة الصليب. الإنسان في الإضراب يكون ضعيفاً مريضاً وهو مكبّل على السرير، كما في المرحاض وكذلك في الصلاة.

■ وُجهت لك انتقادات كثيرة بسبب زيارتك القدس مباشرة، ومنها أنك تسعى إلى شهرة...
هذا انتقاد بالأساس خرج من صوت لا قيمة له فلسطينياً ومن شخص لا أعتبره يمثل حركة «فتح»، ولو كان يمثلها سأرد على «فتح» وقتها. لو أردت شهرة لما دخلت بمفردي ومتخفياً. لم يكن ذلك خوفاً من الاحتلال، بل كي لا يراني أحد من المقدسيين وتحدث جلبة خارج الأقصى أو اشتباكات ويتعكر صفو ليلة القدر. دخلت متخفياً لأصل هادئاً مطمئناً إلى الأقصى وألتقي المقدسيين والموجودين من الضفة وأحدثهم عن الأسرى والمرضى.
قبل المسجد، دخلت أربعة بيوت هي بيت (المحامي) جواد بولس و(الشهيد) محمد أبو خضير والأسيرين العيساوي والمسلماني، من دون إشعار مسبق، كما لم تصل أي وسيلة إعلام إلى هذه البيوت وتصورني فيها. لا أطمع في منصب في ظل وجود الاحتلال، فكلنا نسحق تحت الاحتلال، وأي شخص يظن أن لديه جوازاً دبلوماسياً تحت الاحتلال أو أي شيء آخر، فكله دون دماء الشهداء ومعاناة الأسرى.
لما دخلت القدس، هاجمتني المتحدثة باسم شرطة الاحتلال وقالت إن خضر إرهابي وجهاد إسلامي (حركة) وممنوع من دخول القدس. لكنها جبانة مثل حكومتها، فقد أرسلت بياناً بسرعة إلى وسائل الإعلام تقول فيه إن عدنان سيفرج عنه خلال ساعات كي لا يحدث أي رد فعل.

■ توقعت أن تعتقل في القدس وخاطرت؟
وصل تهديد إلى أهلي من الارتباط العسكري في الضفة، وكلام من مستوى رسمي فلسطيني لأشخاص قريبين مني، وكلهم يحذرون من أنني سأعتقل. هم اعتقلوا جزءاً مني فقط، فزوجتي كانت في الأقصى وأحيت ليلة القدر، برغم علمها باعتقالي على أبواب المسجد. عموماً، صليت وأقمت ليلة القدر في القدس أولاً، ثم في السجن، وقد أضربت لأربع ساعات ونصف، وهو أقصر إضراب لي.
للعلم، فإن من أدخلني إلى القدس ليسوا من الجهاد الإسلامي، بل من اليسار وفتح. دخلت بطريقة هادئة، فلم أتسلّق الجدار مثلاً. لن أتكلم عن الطريقة التي دخلت بها، لكن هذا إخفاق أمني آخر للاحتلال. لم يكن الأمر صعباً، وأقول لكل الضفة: لا تأخذوا تصاريح لدخول القدس، فهناك طرق أخرى. أينما تصل قدماي سأصل بحرية، ولو تمكنت من الوصول إلى رأس الناقورة لدخلتها.

الغرب أشغل العرب عن فلسطين وفتح المجال للمسلم لأن يقتل ويُقتل

■ أيضاً، وُجهت انتقادات لك بسبب مقابلتك الصحافة الإسرائيلية...
كنت متردداً في البداية بشأن المقابلة مع وسائل إسرائيلية. لكن بعد الإضراب الأول، استشرت «أخاً عزيزاً» من حفظة كتاب الله، ولن أذكر اسمه كي لا يتأثر أمنياً، وهو ممن أثق بهم وأمضى فوق العقدين في الأسر. قال لي إذا كنت واثقاً مما تفعل امضِ، وإذا كنت تعلم أنه يفيد قضيتنا فافعل.
أنا حذر في التعامل مع الصحافة الإسرائيلية وأتكلم بقوة طوال الوقت، وأعلم أنه مهما اقتطع من المقابلة فإنه لن يحوّر أقوالي. أنا الذي أعطي الجواب. قد يسألني في الشرق وأجيب في الغرب.
برغم ذلك، لست مع فتح الأبواب على مصراعيها، فهي صحافة العدو، لكنها هي التي تصل الى الأسرى في السجون. أما من يحرص على أن لا يقابل خضر عدنان الصحافة الإسرائيلية، فليعمل على مقابلتي وتوصيل صوتي، وخاصة وسائل الإعلام العربية.

■ ماذا بشأن ما نشر في الصحافة الإسرائيلية عن أنك تعيش أيامك الأخيرة؟
هذا الكلام خطير جداً، وبحاجة إلى وقفة فلسطينية. ربما هو تحضير للشارع لشيء سيحدث مع خضر، بل قد يحضِّرون لشيء وراء الكواليس. ربما فعلوا شيئاً طبياً معي وينتظرون نتيجته. هم أيضاً يريدون إيصال رسائل للأسرى بألا يخوضوا ما فعله خضر، كما يريدون أن يخففوا أثر هزيمتهم. من قتل ياسر عرفات وقادة شعبنا وأبناءه، غير مستبعد لأن يفعل شيئاً ضد أي منا.





رسالتي إلى من تضامن معي وللشباب العربي: إن الغرب يتحمل مسؤولية ما يحدث حول فلسطين، فهو فتح أبوابه للشباب المسلمين كي يصلوا إلى كل البلدان حولنا دون فلسطين، وكي يقتلوا ويُقتلوا، ولتكون هذه البرك من الدماء. فلسطين كاشفة العورات. من يتحرك نحو فلسطين ولها ستكون له الرفعة، ومن يدير الظهر لفلسطين لن تقوم له قائمة. لقد تأثرنا بما يسمى «الربيع العربي»، فانظروا إلى همّنا وجرحنا في فلسطين، وهل أنتم قريبون أو بعيدون منه؟