الرباط | قضت محكمة الاستئناف في مدينة الحسيمة (شمالي المغرب) بسجن 17 شخصاً لمدد تصل في مجملها إلى 27 سنة مع النفاذ، على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدينة قبل شهور. وولّد الحكم حالة استياء عارم في قاعة المحكمة لدى عائلات المعتقلين وهيئة الدفاع، فيما عبّر العديد من النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي عن صدمتهم بالحكم الذي وصفوه بأنه «قاسٍ جداً» بحق مواطنين مارسوا حقهم الذي كَفِله لهم الدستور في الاحتجاج، بطريقة «سلمية وحضارية».
ويأتي هذا القرار ضمن موجة أحكام ثقيلة لا يزال القضاء المغربي مستمراً في إصدارها بحق نشطاء احتجاجات الريف، ووصل بعضها إلى السجن عشرين عاماً. أحكام ينبّه مراقبون إلى أن من شأنها تأجيج الشعور بالغضب، وبالتالي تسعير الاضطرابات من جديد، خصوصاً أنها تترافق مع تواصل حملة الاعتقالات في مدينة الحسيمة، معقل «حراك الريف»، الذي مرّ عليه شهره العاشر منذ انطلاقه. وأفاد نشطاء بتوقيف مزيد من الأشخاص نهاية الأسبوع، لينضموا إلى ما يزيد على 400 معتقل بحسب أرقام منظمات حقوقية، لافتين إلى أن من بين الموقوفين الجدد قاصرين تراوح أعمارهم بين 7 سنوات و10 سنوات. ويُتهم هؤلاء المعتقلون بـ«إهانة رجال الشرطة أثناء قيامهم بمهماتهم، وممارسة العنف في حقهم، والعصيان المسلح، وتعييب شيء مخصص للمنفعة العمومية، والتجمهر المسلح في الطرق العمومية، وتلقي أموال خارجية، والتحريض ضد الوحدة الترابية للمغرب».

جدل قانوني وسياسي

وشهدت جلسة محاكمة معتقلي قادة «حراك الريف»، مساء الثلاثاء الفائت، في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، جدلاً حاداً بين هيئة دفاع المعتقلين والنيابة العامة، بعدما رفضت الأخيرة تسلّم تقرير طبي، صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية)، قدّمه الدفاع للمحكمة. وطالب الدفاع بالاستعانة بتقارير وخبرات طبية صادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تخصّ الوضع الصحي لبعض معتقلي «حراك الريف»، قائلاً إن تلك التقارير تؤكد صحة مزاعم تعرض المعتقلين للتعذيب.
لكن ممثل النيابة العامة، حكيم الوردي، أصرّ على استبعاد التقرير الذي أنجزه المجلس، معتبراً إياه «وثيقة غير قضائية»، ليحتدم عند ذلك النقاش بين الطرفين، ولا سيما بعد تنبيه هيئة الدفاع، النيابة العامة، إلى كون ادعائها يُعدّ تشكيكاً في مؤسسة دستورية.
النقيب عبد الرحيم الجامعي، محامٍ عن هيئة الدفاع، قال في مرافعته خلال محاكمة قائد «حراك الريف»، ناصر الزفزافي، ومن معه، إن «أمام المحكمة خياراً وحيداً هو أن (تأخذ) بمقتضيات القانون الدولي التي عبرها يمكن محاسبة جميع الأجهزة، من النيابة العامة إلى قاضي التحقيق، وعلى رأس هذه المقتضيات اتفاقيات مناهضة التعذيب، ثم تطبيق الدستور الذي يُعدّ قانون القوانين». وأكد الجامعي، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية، أن «قائد الحراك انتُزعت منه تصريحاته تحت ضغط الظروف المادية والجسدية والتقنية... (بعدما) كنا نعتقد أن ضباط الشرطة القضائية أصبحوا يستوعبون ممارسة حقوق الإنسان»، مشيراً إلى أن «المغرب لا يعترف بالسلامة البدنية، والنيابة العامة لا تعترف بذلك».
في المقابل، استبعد ممثل النيابة العامة، حكيم الوردي، في مرافعته، تهم تهديد عورات المعتقلين بالاغتصاب، معتبراً ذلك «توصيفات متناقضة مع ما يعيشه المغرب حقوقياً، والأخطر أن تُقدّم على أساس أنها حقائق»، معلِناً، في الوقت نفسه، أن «النيابة العامة تعتزم تقديم أدلة ما تنفي ممارسة التعذيب على معتقلي الريف». إزاء ذلك، يرى الدفاع أنه في ظل المعطيات المتقدمة «لا يمكن الحديث عن محاكمة عادلة، ما دام، إلى الآن، لم يجرِ التعامل جدياً مع جميع التصريحات التي أدلى بها المعتقلون أمام قاضي التحقيق وأمام الوكيل العام، والمتعلقة بتعرضهم لممارسات مهينة، من قبيل التهديد بالاغتصاب والسبّ والشتم ونعتهم بـ(العملاء)»، طبقاً لتصريحات متفرقة لوسائل الإعلام المحلية.
وفيما تتعالى الأصوات المطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين، وإطلاق سياسة تنموية في مدينة الحسيمة وعموم الريف لرفع «التهميش» عن تلك المناطق، تستعد الحكومة لإخراج «خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان». خطة يُتوقّع أن يثير إعلانها جدلاً سياسياً في البلاد، خصوصاً أنها تأتي بعد التقرير الذي كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أعدّه حول الانتهاكات الحقوقية التي طاولت نشطاء «حراك الريف»، وخلص فيه إلى وجود ممارسات تعذيب بحقهم.