القاهرة | بعدما أدارت ظهرها لأكثر من سبع سنوات لدول منابع النيل، وجمدت عضويتها في مبادرة حوض النيل، متجاهلةً أي حديث أو دعوة إلى التشاور، أعادت الحكومة المصرية ترتيب أوراقها من جديد، وهي تسعى حالياً إلى الدخول في مفاوضات جديدة لحل الخلاف القانوني والمؤسسي منذ التوقيع المنفرد لدول منابع النيل على اتفاقية الإطار القانوني لحوض النيل المعروفة إعلامياً بـ«اتفاق عينتيبي».
ومع بداية الجولة الأولى للمفاوضات المنعقدة في مدينة عينتيبي الأوغندية، أمس، أعلن وزير المياه ورئيس وفد المفاوضات المصري، محمد عبد العاطي، نية مصر لفك تجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل، والعودة إلى ممارسة أنشطتها كاملة في المبادرة، إذا ما جرى التوصل إلى اتفاق بشأن المبادرة القانونية التي تطرحها القاهرة.
وعلمت «الأخبار» تفاصيل السيناريو القانوني الذي تطرحه مصر للتفاوض على وثيقة قانونية جديدة، أشبه باتفاق المبادئ الذي وقعه رؤساء دول حوض النيل الشرقي، مصر والسودان وإثيوبيا في مارس/ آذار 2015. وتتضمن هذه الوثيقة عدداً من المبادئ الحاكمة لإدارة مياه النيل على المستوى الإقليمي، وتحديد الخطوط الرئيسية لآليات التعاون المشترك واتخاذ القرارات، في ما يتعلق بأي مشروع على مجرى النهر.
وأوضحت المصادر أنَّ الوثيقة ستتضمن بنوداً تعترف فيها الدول بحق الاستغلال العادل والمنصف لمياه النهر، والتعاون وفقاً لمبدأ عدم الضرر والمنفعة المشتركة، وبناء الثقة وتبادل المعلومات، والتسوية السلمية للمنازعات، مع اشتراط الإخطار المسبق، قُبيل إقامة أي مشروعات على مجرى النهر من شأنها التسبب في أي تأثيرات بدول المصب (مصر والسودان).
ومن المنتظر أن تنتهي المفاوضات الجارية الآن إلى التوصل إلى اتفاق على بنود هذه الوثيقة، تمهيداً لرفعها لرؤساء دول حوض النيل، إذ إنَّ من المقرر انعقاد قمة رؤساء دول حوض النيل في حزيران/يونيو المقبل، بينما تؤكد المصادر أن توقيع الرؤساء على بنود هذه الوثيقة سيعطيها قوة قانونية تُسقط «اتفاق عينتيبي» الذي أثبت فشله بعد اعتراض مصر عليه، والذي لا يزال غير نهائي، حيث لم تصدِّق كافة الدول الموقعه عليه، كذلك لم يسجل رسمياً في أي من المؤسسات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي حتى تدخل بنوده حيز التنفيذ.

فقدت القاهرة القدرة
على حل المشاكل التي قد تنتج من تشغيل سد النهضة

يذكر أن مصر كانت قد جمدت عضويتها في مبادرة حوض النيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2010، كرد فعل بعد توقيع دول منابع النيل على اتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي، من دون حسم الخلاف على ثلاثة بنود في الاتفاقية أهمها بند الأمن المائي 14B مقابل الحصص التاريخية التي أصرت القاهرة على تضمينها في الاتفاقية. وكذلك بند الإخطار المسبق والموافقة بالإجماع وليس الأغلبية، وهو ما يسمح بإنشاء تكتلات للدول المعارضة للمصالح المصرية في نهر النيل، وخصوصاً أنَّ هناك اعتقادات راسخة بأنَّ القاهرة تنعم وحدها بمياه النهر، وتحقق التنمية لشعبها لحصولها على نصيب الأسد من المياه، بينما تحرم باقي الدول حق استغلال المياة لمصلحة شعوبها، إلا أن التوقيع المنفرد أوجد عدداً من التحديات، أهمها إقناع الشركاء الأجانب بضخ مزيد من المنح والمساعدات لبرامج التعاون في مبادرة حوض النيل.
واستمر تجميد مصر لأنشطتها في مبادرة حوض النيل لسبع سنوات، حرصت في خلالها القاهرة على حضور الاجتماع الوزاري السنوي لمبادرة حوض النيل فقط لتوصيل رسالة تسجل فيها اعتراضها على التداعيات السلبية التي خلفها توقيع دول المنابع على «اتفاق عينتيبي»، وعدم إمكانية التعاون داخل هيكل مبادرة حوض النيل في الوقت الذي تختلف فيه الدول الأعضاء في المبادرة على الصيغة القانونية التي تحدد ملامح العمل ومرجعيته.
وأعربت المصادر في وفد المفاوضات المصري، أن الأجواء لا تزال متوترة، على خلفية «مشهد 2010»، حيث إنَّ القاهرة أدركت أنَّ الوصول إلى اتفاق مع دول منابع النيل الآن حول «اتفاقية عينتيبي»، ليس بأمر سهل، خصوصاً أنَّ هناك ثلاث دول انتهت من إجراءات التصديق على الاتفاقية بالفعل، لذلك كان المخرج الوحيد طرح مبادرة قانونية جديدة، وهو ما جرى التوافق عليه بين الأطراف المعنية كافة بإدارة ملف حوض النيل داخل مصر.
وتؤكد المصادر فعالية وقوة أوراق التفاوض التي تمتلكها مصر، خصوصاً أنَّ التقارب السياسي الذي بدأه الرئيس السيسي مع عدد من قادة دول حوض النيل أسهم بقوة في موافقة دول المنابع على العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، فضلاً عن أن دوائر صنع القرار في القاهرة تعتقد أنَّ الغياب عن مبادرة حوض النيل طوال السبع سنوات الماضية، سبّب تداعيات لم تستطع دول منابع النيل تجاوزها حتى الآن، أهمها عدم قدرتهم على الحصول على الدعم الدولي من الجهات المانحة أو تحويل المبادرة إلى مفوضية إقليمية.
وتلتجئ القاهرة إلى «كارت» آخر في خلال المفاوضات، هو التنسيق مع بعض الدول الحليفة في منابع النيل، لمحاولة إحداث تأثير في مواقف باقي الدول، مثل كينيا التي تتقارب مع القاهرة لأسباب عدة ترتبط بالمصالح التجارية المشتركة. كذلك دولة جنوب السودان، فضلاً عن أوغندا التي أصبحت تتبنى مواقف أكثر دعماً للقاهرة في ملفات أفريقية، وهو ما ظهر عقب اللقاء الأخير للرئيس السيسي مع نظيره الأوغندي، يوري موسيفيني.
وتتزامن مساعي القاهرة لإعادة التفاوض مع دول منابع النيل لإيجاد صيغة قانونية أو سياق جديد للتعاون مع مرور الذكرى السادسة لوضع الحجر الأساس لسد النهضة الإثيوبي المنتظر، وبعد الانتهاء من 70 في المئة من جسم السد والأعمال الهيدروليكية والكهربائية، بينما فقدت القاهرة القدرة الديبلوماسية على حل المشاكل التي قد تنتج من تشغيل السد على الأمن المائي المصري.