خارجياً، يوجّه نظام آل سعود رسالة إلى الأقربين والأبعدين، وأولهم إيران. وهذه الرسالة تشير إلى أن النظام السعودي لا يفتح أي باب للتسوية في أي ملف من الملفات الملتهبة في المنطقة. على العكس من ذلك، فإنه يريد التصعيد، ولو بصبغة مذهبية خالصة. يكرر التجربة بعد حادثة التدافع في منى قبل نحو 9 أشهر. فهي بدلاً من الاعتراف بالخطيئة، والعمل على معالجتها، أطلقت حملة شعواء على إيران. وكذلك الأمر في اليمن، حيث قرر آل سعود تدمير البلاد على السماح بحُكم متوازن فيها، يكون فيها من لا يوالون حكام الرياض شركاء في السلطة. وقبل اليمن سوريا التي يرفض النظام السعودي أي تسوية سياسية معقولة فيها، فيما يفضّل هذا النظام بقاء "داعش" مسيطراً على غرب العراق، على أن يحرّره خصوم السعودية.
سليماني: الإساءة إلى الشيخ قاسم ستكون بداية لانتفاضة دامية
أبرز المواقف المندّدة التي خرجت تضامناً مع قاسم، الذي حمل جملة رسائل واضحة، كان موقف قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، الجنرال قاسم سليماني الذي أكّد أن «الإساءة إلى الشيخ قاسم ستكون بداية لانتفاضة دامية، تقع مسؤوليتها على من يُشرّعون غطرسة حُكام البحرين»، مشيراً إلى أن «التعرض لحرمة الشيخ يُشعل النار في البحرين والمنطقة بأسرها». وفي حديثه لوكالة «يونيوز» قال سليماني إن «ممارسات آلِ خليفة لن تُبقي خياراً للشعب إلا المقاومة المسلحة»، باعتبار أن التعرّض للشيخ هو «خط أحمر لدى الشعب». وفي لبنان، دان حزب الله الخطوة غير المسبوقة، ودعا «شعب البحرين الى التعبير الحاسم عن غضبه وسخطه بسبب النيل من رمزه الكبير». وأضاف أنّ «السلطة بحماقتها وتهوّرها تدفع الشعب البحريني إلى خيارات صعبة ستكون عاقبتها وخيمة على هذا النظام الديكتاتوري الفاسد». أما من العراق، فأعلن الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أنّ «العصائب مستعدة لدعم الشعب البحريني في مواجهة النظام إذا ما تعدى الخطوط الحمر»، مشيراً إلى أن «الوسائل السياسية لا تكفي وحدها».
النظام البحريني وضع الخطوة امس في سياق «مواجهة كافة قوى التطرف لمرجعية سياسية دينية خارجية». وزارة الداخلية اتهمت قاسم بـ«استغلال» المنبر الديني «لخدمة مصالح أجنبية»، والتشجيع على «الطائفية والعنف». ويندرج هذا الإعلان في سياق حملة شرسة شنّها النظام في محاكمه، وصحفه الموالية ضد رجال دين، وعلى رأسهم عيسى قاسم. كان متوقعاً من السلطات البحرينية إجراء بحقه، لكن ليس بهذا الحجم. إذ حملت الأيام الماضية إشارات تشي بتضييق الخناق على قاسم، ومنعه من إقامة صلاة الجمعة في مسجد الإمام الصادق في الدراز. ليكون بذلك على رأس المستهدفين، في محاولة من حكّام المنامة لحصر نشاط رجال الدين في الفقه والحوزة، ومنعهم من تناول الشأن السياسي، والتأثير على الحراك المستمر منذ 2011.
ولحكّام المنامة حساباتهم الخاصّة، وعوامل أسهمت في إنضاج هذا القرار، وخصوصاً بعد إعلان قاسم «رفضه التام لقرار الحكومة بمنع جمع أموال الخمس، واستعداده لمواجهة الحكومة». فما كان من السلطات إلا مصادرة اموال الخمس (التي يُقال إنها بلغت 50 مليون دولار اميركي)، والبدء باستدعاء عدد من رجال الدين إلى مراكز التحقيق.
وحالما صدر خبر القرار، صدحت المآذن بالتكبير في منطقة الدراز، حيث يقطن قاسم. تجمّع المئات أمام منزله مرتدين أكفانهم البيضاء، إعلاناً منهم عن استعدادهم للموت دفاعاً عن رمزهم.
بدوره، قال رئيس «المجلس العلمائي» البحريني، السيد مجيد المشعل، «هذه عباءتي فلتسلّم لعائلتي كفناً... لا نريد العيش في وطن بلا آية الله قاسم».
وصرّح النائب السابق عن كتلة «الوفاق» النيابية، علي الأسود، بأنّ «الحكومة ارتكبت خطأ فادحاً والآن فرصتها للتراجع عن كل القرارات الجائرة التي اتخذتها، ظنّاً منها أن الشعب قد تعب وضعف وحان الوقت لأن يثبت لها عكس ذلك». وعن تبعات إسقاط جنسية الشيخ قاسم، رأى في حديث لـ«الأخبار» أنّ «تصريحاً بسطرين فقط من ضحية هذا القرار كفيل بقلب الموازين، ولا أحد يعلم ما قد يحدث في الشارع البحريني وقتها». وأكد أنّه «لدينا استراتيجيتنا ونفهم السقف المسموح به في البحرين وكل العالم يعرف أن هذا الحراك ليس حراكاً متفلتاً، إنما هو حراك منظم لأنه ينبع من الناس الذين تمرسوا في ميادين السلمية وما زادتهم المطالبات والتحركات التي لم تكن وليدة اليوم والبارحة إلّا صمودا وإرادة».