التهديد العاجل، الناجم عن التركيب الأممي للمجاهدين الفاشست، وتنامي قواهم ودعواهم، على نحو غير مسبوق، دفع بالولايات المتحدة، نفسها، إلى الانفصال، جزئياً، عن الباب الدوّار الغامض للعلاقة مع الإرهاب، في كلٍ من العراق، حيث اعترف الأميركيون بـ «الحشد الشعبي» كقوة عراقية شرعية في معركة تحرير الأنبار، وفي اليمن، حيث تضغط واشنطن على السعودية، لوقف المغامرة العسكرية التي تصبّ في مصلحة إرهابيي «القاعدة»، خصوصاً أن القوة الوحيدة المؤهلة لإنهاء البؤرة الإرهابية في الأراضي اليمنية، هي قوة الحوثيين.
وفي هاتين الحالتين، نجد أن المقاربتين، الأميركية والإيرانية، تتقاطعان، سواء أكان هناك تفاهمات ثنائية أم لا. ولكن هذا المسار الإيجابي، لا يشمل، بعد، سوريا. هنا، القضية معقّدة، بسبب ترابطها مع المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية التي تتحقق باستنزاف قوى سوريا وتمزيقها، وتالياً تمزيق محور المقاومة، وانهاكه، ومحاصرة حزب الله، والتوصل، بالتحالف مع السعودية وقطر، إلى تصفية القضية الفلسطينية، على يديّ فتح وحماس. وكلاهما مرتبط بالمحور المضادّ.
الدعم الإسرائيلي للخطط السعودية ـ القطرية ضد الدولة السورية، يجمّد، إلى حد ما، انتقال البيت الأبيض إلى سياسة عقلانية إزاء مجابهة الإرهاب في سوريا؛ لذلك، شهدت قمة كامب ديفيد، الأميركية ـ الخليجية، تأكيد الرئيس باراك أوباما، على نهج الامتناع عن التعهّد باتباع أي برنامج بشأن الحرب في سوريا؛ هذه الحرب التي وصفها مستشار المرشد الإيراني، علي ولايتي، عن حق، بأنها «حرب عالمية صغيرة»، لاحظ الرئيس بشّار الأسد، لدى استقباله الضيف الإيراني، أن السعودية... وتركيا، هما اللتان تديرانها. ولا أدعي أن تصريح الرئيس هذا، لدى استقبال ضيفه الإيراني، ينمّ عن عتب ضمني، ولا أقول إن ولايتي لا يوافق الرئيس تماماً في هذا الصدد؛ غير أنني أشير إلى أن استمرار محور المقاومة في تلافي اتخاذ موقف سياسي موحّد ـ وليس، حسب، مواقف ضاغطة أو ميدانية ـ من الدور التركي الرئيسي في الحرب على سوريا، يخدم النظام الأردوغاني الذي ذهب إلى تصعيد نوعي في تلك الحرب، طامحاً بـ«سايكس ـ بيكو» جديد، مضمونه اغتصاب أراض عربية جديدة، واستعادة شكل معاصر من أشكال الامبراطورية العثمانية.
تجاهل الحليف الإيراني إعلان موقف واضح من العدوان التركي المحموم على سوريا، ليس شأناً هامشياً، وليس مرتبطاً بمصالح اقتصادية محددة أو بمرحلة قصيرة المدى أو بأي تفسير عياني آخر، وإنما هو مرتبط بحسم العلاقة ـ الأيديولوجية والسياسية ـ مع الإسلام السياسي. ولذلك، فإن الغموض يلف وحدة موقف المقاومة من منظمة «حماس»، المنخرطة هي الأخرى في العدوان على السوريين والتابعة لحلف أنقرة ـ الدوحة ضد سوريا، والمعادية لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر.
إن الحسم مع الإسلام السياسي ـ بكل أشكاله، الوهّابية والإخونجية، وتجلياتهما في التنظيمات التكفيرية الإرهابية ـ لم يعد، فحسب، ضرورة لحسم الصراع الدامي في سوريا، وإنما أصبح، أيضاً، ضرورة إيرانية، أي تتعلق بالمصالح الخاصة المباشرة للجمهورية الإسلامية؛ فـ «الحرب العالمية الصغيرة» ضد الشعب السوري، هي، بالفعل، كذلك، عالمية. وكونها صغيرة، لا يعني أنها غير فاعلة في التدمير، أو أن انتشارها محدود، أو أنها لا تهدد القوى العظمى. وإذا كان واضحاً أن سوريا والعراق، هما البلدان اللذان يعيشان، اليوم، أعظم أهوال مأساة الانفجار الكبير للفاشية الإسلامية؛ فإن الأكيد هو أن الشرق الأوسط وأورو آسيا، بل العالم كلّه، بات مهدداً بمرحلة سوداء سوف تدفع ثمنها الشعوب، باهظاً. وعلى رغم الدور السعودي الرئيسي في تصدير الفكر الإرهابي وتمويل الإرهابيين، فإن النظام الأردوغاني هو الدينامو الكبير للفاشية الإسلامية، والأقدر على تنظيمها واستخدامها كأداة للمشروع العثماني الذي يهدد وحدة إيران وقوتها ونفوذها.
تتجه الجمهورية الإسلامية إلى احتلال موقع متقدّم في المنظومة الإقليمية والدولية. وهو ما يضعها أمام استحقاقات المسؤولية السياسية والأخلاقية، إزاء شعوب المنطقة العالم؛ بل ربما كان من الأوفق للمسلمين أن تتصدى قوة منهم، للفاشية الإسلامية، ليس، فقط، في ميدان القتال، وإنما، في الميدان الأهم، الميدان الأيديولوجي السياسي.
إن التركيب المتعدد الجنسيات لمنظمات الفاشية الإسلامية، وترسُّخ حواضن اجتماعية لها ـ تزوّدها بالدعم السياسي والجماهيري والكادرات والمقاتلين والتبرعات الخ ـ في البلدان العربية والمسلمة، وأوروبا وروسيا والصين، وحيثما كان هناك مسلمون، يطرح، وسوف يطرح تحدي الفاشية الإسلامية، باعتباره التحدي العالمي الأكبر في القرن الحادي والعشرين. وإذا كان حكّام السعودية وقطر وتركيا، ينتمون، وجدانياً وفكرياً، إلى فاشية مجنونة، تريد الدفاع عن وجودها أو تحقيق هلوساتها الامبراطورية، فإن القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة والغرب، ستكون، في وقت قريب، أمام خيارين؛ فإما أن تتخلى عن استخدام الفاشيين الإسلاميين، كأداة إجرامية لتحقيق مصالحها المباشرة، وإما أن تواجه انفجاراً أمنياً يضرب أمنها ومجتمعاتها وقدراتها الاقتصادية والدفاعية.
الفاشية الإسلامية، اليوم، هي أخطر، مئة مرّة، من النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية؛ ذلك أنها لا تحتاج إلى موارد دول صناعية كبرى، أو جيوش مليونية مدربة ومجهّزة بأحدث المنظومات القتالية؛ إنها تعتمد على انشطار سيكولوجي نووي ذاتي لدى مئات الآلاف من المرضى النفسيين المُعالجين بتفجير غرائزهم البدائية (القتل والسطو والاغتصاب) بوساطة صاعق المقدّس الديني. وهؤلاء، في انتشارهم الكوني في منظمات متعددة تستند إلى حواضن متجذرة، يمكنهم أن يذهبوا بالحضارة الإنسانية إلى الفناء. وفي المثال الصيني، يكفي عشرات الآلاف من الإيغور المتحوّلين إلى الفاشية الإسلامية، لخلخلة الأمن وحركة الانتاج والأسواق، في هذا البلد الملياري، كما يمكن لبضعة آلاف شيشاني وقفقاسي، انهاك الصعود الروسي. وإذا افترضنا أن خمسة بالمائة، فقط، من الجالية المسلمة في فرنسا أو ألمانيا، انخرطوا في الجهاد الإرهابي، فإن أمن هاتين الدولتين، سيكون في خطر جدي.
العالم ينتظره مصير قاتم، إذا سمح للإرهابيين بالنجاح في سوريا (لا بإسقاط النظام، بل بالقدرة على التموضع في جغرافيا آمنة). وهو مصير سوف تبدأ ملامحه أو أنها بدأت فعلا بالتشكُّل، مما سيفرض على الأطراف الدولية، رغم خلافاتها، أن تصطف في حلف دولي معاد للفاشية الإسلامية. ولعل أفضل مَن يبادر إلى الدعوة إلى حلف كهذا هو إيران؛ فهي تملك الشرعية الإسلامية، والقدرة، والمصلحة المباشرة، في دحر الفاشيين الإسلاميين. وفي حلف كهذا، سيكون على طهران أن تمضي نحو خيارات خارج الصندوق، وعلى رأس ذلك، فضح العثمانية الأردوغانية كدينامو إرهابي، والتحالف مع السيسي ضد الإخوان، وإخراج حماس من حسابات المقاومة، وتعزيز التحالفات الممكنة مع التيارات العلمانية، في العالمين، العربي والإسلامي. وعلى الصعيد الدولي، مبادرة إيرانية لحلف دولي ضد الإرهاب، سيشد الروس والصينيين، ويُحرج أوروبا، ويسمح بتفاهمات ندية مع الولايات المتحدة.
2 تعليق
التعليقات
-
ماذا ينتظر هذا الحلفالم يسمع محور المقاومة بنبوءة نائب رئيس وهل سيسمحوا بهذه النبوءة من التحقيق النبوءة التركية (((((((""السيد نعمان قورطولموش نائب رئيس الوزراء التركي اختار لقاءا جمعه مع عدد كبير من الصحافيين العرب والاجانب لكي “يبشرنا” بأن منطقة “الشرق الاوسط” مقبلة على تقسيم جديد كتقسيم “سايكس بيكو” الشهير، الذي جرى رسم حدود الدول فيه بالمسطرة والقلم بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، وانهيار الامبراطورية العثمانية لصالح الدول الاستعمارية الغربية (بريطانيا وفرنسا). نائب رئيس الوزراء التركي فسر نبوءته هذه بشكل اكثر وضوحا عندما قال ان العراق سيقسم الى ثلاث دول، وليبيا الى دولتين، واليمن كذلك، ومصر ستتقسم ايضا الى كيانين، اما سورية فستقسم الى عشرات الاجزاء."))))) عن “راي اليوم” الى متى ينتظرون وهل ينتظر الشعب السوري حتى تنتهي السجادة الايرانية وصل اليأس في المواطن السوري , بانه يعتقد الان بأن حلفائه هم نمور من ورق
-
تساؤلاتأولا يتحدث الكاتب المحترم عن تجاهل الحليف الإيراني لإعلان موقف واضح من العدوان التركي ويربطه بحسم العلاقة مع الإسلام السياسي، كما أعطى مثالا آخر عن غموض الموقف من حماس. لكن ما ذكرت استاذ ناهض يطرح تساؤلات أكثر مما يجيب، فعلى سبيل المثال ألم يتأثر الإمام الخميني فكريا بمدرسة الإخوان المسلمين؟ انظر كيف كان الموقف الإيراني من مصر محمد مرسي رغم أنه ذهب يملي عليهم مواعظه الفجة والعلنية ضد سورية ومن على منابرهم، وحتى بعد الإطاحة به بقيت ايران مستاءة من الإنقلاب كما فضلت تسميته، وانظر الى الموقف من حماس كمثال آخر يصب في ذات الخانة، من هنا ألا يكون انتظار ايران لحسم موقفها من الاسلام السياسي اشكاليا؟ وكأننا نطلب منهم إلغاء أنفسهم... ثانيا إن سوريا كانت عبر التاريخ ميدان تصادم الإمبراطوريات، إيران وروسيا والصين صحيح أنهم ساندوا الدولة السورية إلا أن السؤال هو ما المشكلة عندهم لو أخذ الصراع في سوريا مدة عشر سنوات على سبيل المثال؟ هم في حالة دفاع عن أنفسهم ويصادمون الولايات المتحدة في سوريا نعم ولكن ما المانع من أن يقاتلوا حتى آخر سوري؟ فكما يقول المثل الشعبي "يلي بياكل العصي مش متل اللي بعدا"، من هنا التسريع بإنهاء الحرب هو أولوية سورية لكن ليس أولوية بالضرورة لباقي أعضاء الحلف إن صحت أصلا تسميته حلفا مع انه ليس كذلك، لو بدا تشتي كان غيمت...والولايات المتحدة تتحدث بوضوح عن ثلاثين عاما لازمة لمكافحة الإرهاب، وطبعا المعنى الحقيقي الذي تقصده أميركا ثلاثين عاما من تفتيت الدول على نار هادئة.