تعز | في وقتٍ تنال فيه مدينة تعز (وسط) أوفر الحصص من خروقات العدوان السعودي للهدنة الإنسانية، حيث تعرّضت خلال الأيام الثلاثة الماضية لغارات كثيفة، يتابع الجيش و»اللجان الشعبية» التقدّم على حساب المجموعات المسلحة التابعة لحزب «الإصلاح» (الإخوان) ذي النفوذ الكبير في المنطقة والمسلحين التكفيريين، مع «مؤازرة» جوية من طيران العدوان لتلك المجموعات.
واستطاع الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» السيطرة على قمة جبل صَبر الاستراتيجي، أعلى جبل في مدينة تعز، حيث تم تطهير موقع العروس والمناطق القروية المجاورة له من الجماعات المسلحة المتطرفة، ما جعله عُرضة لقصف العدوان السعودي في محاولة استعادته، إذ إن فقدانه يُعدّ خسارة فادحة للعدوان. وتم قصفه صباح أمس، رُغم أنه اليوم الثالث للهدنة. وقد سبق هذا الخرق خرق آخر، حيث قصفت «قلعة القاهرة» التاريخية الأثرية ودمر جزء منها، وتأثر جراء ذلك عدد من المنازل أسفل القلعة، ما دفع سكانها إلى نزوح في منتصف الليل، بالتزامن مع وقوع عشرات الشهداء والجرحى. وقُصفت القلعة للمرة الثانية في اليوم الأول لسريان الهدنة، كما قُصف منزل في منطقة وادي الدحي استشهدت على أثره عائلة كاملة. وتوالى القصف في اليوم السابق للهدنة وما بعده على مناطق مُتفرقة من المدينة، مستهدفاً مبنى الأمن السياسي ومبنى الجوازات والبحث الجنائي و
تشهد المجموعات المسلحة خلافات
في ما بينها بسبب
تعدد القيادة
المعهد التقني، ومقر «اللواء 35» ومقر القوات الخاصة.
في المقابل، يحرز الجيش المسنود بـ«اللجان الشعبية»، تقدماً في أطراف المدينة حيث سيطر على شارع الستين الاستراتيجي، الذي كان يُعتبر ساحة لتموين المسلحين بالسلاح والمال عن طريق الإنزال المظلي لطائرات العدوان. كما تمت السيطرة على شارع الخمسين، وبذلك تكون قوات الجيش و»اللجان» قد أغلقت آخر منافذ المدينة من الريف وإليه، محاصرةً بذلك الجماعات المسلحة التابعة لحزب «الإصلاح» والتكفيريين داخل المدينة.
وتشهد المدينة اشتباكات من وقتٍ لآخر بمختلف الأسلحة، بما فيها المدفعية، حيث تحاول الجماعات المسلحة التوسع واستعادة المناطق التي تسقط منهم، كمنطقة فندق «الإخوة» الشهير ومدرسة الشعب، فيما تتواصل الاشتباكات في مناطق أخرى كجولة المرور ــ الحصب. وصباح أمس، قصف الطيران السعودي بعنف شارع الستين، محاولاً مساعدة المسلحين على استعادته لما للشارع من أهمية، لكونه يربط المدينة بالطريق الساحلي من مدينة الحُديدة، والتي ستصل عبرها قاطرات الوقود، بعدما استطاعت شركة النفط اليمنية إيصال شُحنة وقود إلى ميناء الحديدة وإفراغها في مخازن الشركة، لتعمل على توزيعها على بقية محافظات الجمهورية ومنها محافظة تعز التي فُقد الوقود منها منذ شهر كسائر محافظات اليمن.
من جانب آخر، وفي ما يتصل مباشرةً بالحياة اليومية، أصبح أبناء المدينة مدركين لحقيقة أن المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش و»اللجان الشعبية» هي الأكثر أماناً، على عكس المناطق المحدودة التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة والتي تشهد قطعاً لطرقاتها وأسواقها وإغلاق المحال التجارية وأعمال بلطجة، بالإضافة إلى إطلاق النار من الأحياء السكنية. هذا الواقع يجعل المواطن يعاين عن كثب زيف ادعاءات هذه الجماعات، مدركاً أن أغراضها تخريبية وأنها ليست «مقاومة شعبية»، مثلما يروّج الإعلامان الخليجي والغربي. وفي السياق نفسه، تشهد الجماعات نفسها خلافات كبرى في ما بينها، بسبب تعدد قياداتها، ما أسفر عن أزمات في القيادة والسيطرة، فضلاً عن خلافات مالية رغم تشكيل تلك المجموعات «مجلساً عسكرياً» لكنه ظلّ شكلياً. ووصلت هذه الخلافات إلى نواحٍ مثل صرف الذخيرة من قبل زعماء هذه الجماعات إلى مسلحيهم، وهذا ما يُحدث انهيارات كبيرة في صفوف تلك الجماعات، ما سبب أحياناً ترك الكثير من المسلحين القتال والعودة إلى الريف.
إنسانياً، تشهد تعز حركة نزوح كبيرة من المدينة إلى أريافها، في وقتٍ استطاعت فيه السلطة المحلية أن تحدّ من قضية شحّ المياه وتوفر القمح. فإن وصول النفط من ميناء الحُديدة سيحل الكثير من التعقيدات للحياة اليومية ويضخّ الحياة مجدداً في المستشفيات الحكومية والخاصة التي أغلقت أبوابها، وفي الشركات التي سرّحت عمالها، فيما لا تزال الكهرباء مقطوعة تماماً عن المدينة منذ أكثر من أسبوعين.