تونس ــ الأخبار | عملية أمنية، مفجعة، في قلب العاصمة التونسية أثبتت، في أقل تقدير، حجم وجدية المخاوف من التهديدات الإرهابية التي تواجهها تونس، في ظل القدرات المحدودة لتأمين البلاد التي تعيش في محيط استراتيجي مضطرب وهش.فقد قتل 22 شخصاً، بينهم عشرون سائحاً أجنبياً، في الهجوم الدامي الذي نفذه مسلحان في «متحف باردو» المحاذي للبرلمان في غرب العاصمة، وفق ما أعلن، مساء، المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي. وقال إنّ «هناك 22 قتيلاً بينهم 20 سائحاً من جنوب أفريقيا وفرنسا وبولندا وإيطاليا» دون تحديد العدد لكل جنسية، مضيفاً أن 42 شخصاً أصيبوا في الهجوم.

وتسير الحياة السياسية في تونس منذ عام 2012، تحديداً، على وقع التخوف من توسع التهديد الإرهابي في البلاد، وفي ظل انقسامات سياسية بين فئة «الإسلاميين» وبين معارضيهم، ما صعّب مهمة أي حكومة على مواجهة صعود أدوار جماعات متشددة، تجد لها بيئة غير عدائية إن كان في بعض ضواحي المدن الكبيرة أو في بعض المناطق الحدودية مع الجزائر.
توالت ردود الفعل بالتزامن
مع تجمّع مئات التونسيين في وسط العاصمة

وتعزز نمو التهديد الداخلي بفعل الأزمة الليبية وعدم قدرة الأمن التونسي على ضبط الحدود شرقاً، فيما يتردد غالباً أنّ ثمة تونسيين يشكلون أعداداً مهمة من التنظيمات «الجهادية». كذلك، تفتقد تونس، أمام دول مثل الجزائر والمغرب، إلى القدرات الديبلوماسية لتسهم جدياً في تحديد كيفية المواجهة الإقليمية لانتشار التهديد الإرهابي في عموم منطقة الساحل.
وبخلاف دولة مثل مصر، تمتلك المؤسستان العسكرية والأمنية فيها اليد الطولى لتحديد وجهة المواجهة الداخلية ــ وإن زوراً ــ فإن المؤسسة العسكرية في تونس كانت، تقليدياً، بعيدة عن الحياة السياسية ولم تراكم على مر العقود القدرات اللازمة لمواجهة تهديدات داخلية ناشئة. أما المؤسسة الأمنية فهي لطالما أدت دوراً في خدمة تثبيت سلطوية النظام (تحديداً زمن زين العابدين بن علي)، ويجمع عدد من الخبراء اليوم على أنها تحتاج إلى قدر من الاستقرار السياسي حتى تتمكن من إعادة هيكلتها واكتساب أدوار جديدة تتماشى والمخاطر المحدقة.
وضمن هذا الإطار، تعهد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، بمقاومة الإرهاب «بلا شفقة ولا رحمة». وقال، في خطاب توجه به مساءً إلى التونسيين عبر التلفزيون الرسمي: «يجب أن يفهم الشّعب التونسي أن البلاد في حرب مع الإرهاب وأن هذه الأقليات الوحشية لا تخيفنا ولكننا سنقاومها إلى آخر رمق بلا شفقة ولا رحمة، وأنها ستظهر في نهاية المطاف كالدّيك المذبوح». من جهة أخرى، رأى وزير الخارجية، طيب البكوش، أنّ عدم الاستقرار في ليبيا يوفر «تربة للإرهاب»، ودعا المجتمع الدولي للتحرك للتوصل إلى حكومة وحدة في هذا البلد.
وتوالت ردود الفعل بالتزامن مع تجمع مئات التونسيين أمام المسرح البلدي وسط العاصمة، تنديداً بالهجوم الدامي، مرددين بالخصوص «تونس حرة والإرهاب على برة» و«دحر الإرهاب واجب» و«بالروح بالدم نفديك يا علم».
ويدفع «السقوط الأمني» لأجهزة الدولة برمتها أمس، إلى تصاعد الضغوط على السلطة المنتخبة حديثاً، في ظل مؤشرات بدأت تفيد بأنّ مشروع الرئيس الجديد لا يمتلك أدوات تثبيت استقرار داخلي يكفل الأمن المطلوب.
وفي ضوء تطورات يوم أمس الدامية، أجمع مراقبون خلال النهار على أنّ المتوقع حالياً هو التسريع في مناقشة وإمرار «قانون الإرهاب» وتزايد الحديث عن «وحدة وطنية» لا بد أن تستفيد منها الحكومة (الائتلافية نسبياً) للتغطية على عدد من الالتزامات العصية على التنفيذ، وسط تساؤلات عن قدرتها على الإمساك بالخيار الأمني.
وفي السياق، دعت «حركة النهضة»، أمس، إلى «عقد مؤتمر وطني لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب والتعجيل بإصدار قانون مكافحة الإرهاب والقوانين الداعمة لحماية الأمنيين في أداء مهماتهم». وقال زعيم الحركة، راشد الغنوشي: «هؤلاء الإرهابيون في قتال مع شعب مسلم... شعب ‫تونس‬ صنع ثورة وانتصر فيها على إرهاب سلطة المخلوع، ولن يستسلم لعصابة سوء تريد أن تفرض إرادتها عليه»، مضيفاً: «لو حصل هذا العمل الإرهابي في دولة دكتاتورية قامعة لشعبها لقلنا هذا ردّ فعل طائش على عنف الدولة، لكن أن يُستخدم العنفُ المتوحّش في مواجهة ثورة وحكومة أنتجتها الثورة وفي مركز سيادة لهذه الثورة... فإننا نقول لهم: لن تكسروا إرادة شعبنا».
من جهة أخرى، طالب «نداء تونس» (حزب الرئيس التونسي) الدولة باتخاذ قرار يقضي «باستئصال الإرهاب من طريق تعبئة كل الطاقات الوطنية والرفع من أداء القوات المسلحة».
وتعتبر عملية أمس الأولى من نوعها في تونس العاصمة، والثانية التي تستهدف سياحاً، منذ هجوم نيسان 2002 الذي وقع في جزيرة جربة. وعلى الهامش، لا بد أن تؤثر العملية على قطاع السياحة في البلاد الذي تعوّل عليه الحكومة، لأنه يوفر 7 بالمئة من الناتج الاجمالي ويعيل 10 بالمئة من السكان (400 ألف وظيفة مباشرة) ويدرّ ما بين 18 و20 بالمئة من مداخيل تونس من العملات الأجنبية سنوياً. ولا بد من الإشارة، إلى أنّ استهداف المتحف يذكّر بما يجري بين العراق وسوريا من استهداف لإرث البلدين. ويضم «متحف باردو» مجموعة استثنائية من لوحات الفسيفساء، وهو مبنى يعود إلى زمن البايات. وكان رئيس الحكومة التونسية، حبيب الصيد، قد أوضح أنّ «إرهابيين (تونسيين) يلبسان زياً عسكرياً تسللا إلى مبنى مجلس النواب ومنه إلى المتحف حيث هاجما سياحاً نزلوا من حافلة».
وبرغم كل المخاطر، لكن القول للشاعر التونسي، آدم فتحي، إبان اغتيال شكري بلعيد عام 2013: أكتُبُ من بلدٍ في فم الذئب... لكن أُطمئِنُكُم لا أنا حمَلٌ، لا بِلادي طريدةْ.