غزة | لا تزال سياسة الدولة العميقة تؤدي دوراً بارزاً في التدخل في شؤون حكومة الوفاق الفلسطينية، على الأقل، داخل حدود قطاع غزة الذي كانت تقيم فيه حركة «حماس» حكومة استمرت لأكثر من سبع سنوات. ووفق ما هو واضح، فإن الحكومة المشكّلة بموجب ما يعرف باتفاق «الشاطئ» في نيسان الماضي، تعمل وفق منظومتين: الأولى يقوم عليها الموظفون المحسوبون على «حماس» داخل الوزارات القائمة في غزة، والأخرى يديرها رئيس الوزراء، رامي الحمد الله، في الضفة المحتلة.
مصادر عديدة أكدت أن «حماس» ترفض تفرد حكومة الحمد الله بالقرارات المتعلقة بغزة على وجه التحديد، ولا سيما القضايا الحكومية، على اعتبار أن موظفيها جزء من هذه الحكومة ولا يمكن السماح بإقصائهم. ومن المعلوم أن النفوذ التنظيمي للحركة يسيطر بقوة على العمل الحكومي الراهن داخل غزة، التي كان نصيبها في «التوافق» خمسة وزراء، أربعة منهم يؤدون عملهم داخل القطاع، وقد سمح لاثنين منهم أخيراً بزيارة الضفة. هؤلاء الوزراء لا يزالون يواجهون تحديات في تنفيذ القرارات الإدارية، رغم أنهم يرفضون الحديث على الملأ بهذا الشأن... تحت مبرر الحفاظ على «الوفاق».
وبالمناسبة، فإن الوزراء الأربعة يقوم على حمايتهم طاقم خاص من عناصر جهاز الأمن والحماية التابع للحكومة السابقة، أي «حماس»، فضلاً عن أنهم يتعاملون مع الطاقم الإداري نفسه الذي تعامل مع وزراء «حماس» السابقين، بل رفض بعضهم تعيين مديرين جدد للمكاتب أو مسؤولين للعلاقات العامة، وأبقوا على القدامى.
رغم ذلك، فإنه داخل إحدى الوزارات ـ نتحفظ على ذكر اسمها ـ أثير جدل جراء إعادة وزيرها، موظفاً سابقاً «مستنكفاً»، لأنه محسوب على حركة «فتح» ويقبض راتبه من رام الله، وقد أعيد إلى العمل مراقباً مالياً داخل الوزارة، بعدما صدر قرار في رام الله برصد حجم النفقات الخاصة بهذه الوزارة، كما تفيد مصادر. هذا الفعل وحده رأى فيه موظفو غزة السابقون محاولة لإقصائهم، في وقت ترفض فيه رام الله صرف رواتبهم إلا بعد دراسة مدى الحاجة إليهم. وعليه، يربط الأشخاص المحسوبون على «حماس» داخل الهياكل الوزارية التسليم بالواقع للحكومة التي يديرها الحمد الله، باعترافه بموظفي غزة. وحتى الأيام الأخيرة، لا تزال الحركة ترفض تسليم المعابر لقوات الحرس الرئاسي المحسوبة على رئيس السلطة، محمود عباس، لما ترى أنه سحب للسيادة قبل الحصول على مكتسبات. عضو «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» والنائب في المجلس التشريعي، جميل المجدلاوي، واحد من السياسيين الذين أخذوا على عاتقهم مصارحة الرأي العام بالقول إن على «حماس» مغادرة المعابر وتسليمها لـ«الوفاق» دون شروط مسبقة. يقول المجدلاوي لـ«الأخبار»، إن على «حماس إبداء مرونة خاصة في قضية المعابر انطلاقاً من مبدأ أنه لا يجوز أن يتحكم فصيل بموقع موظفيه داخل إطار السلطة».
سارع إلى الرد على المجدلاوي، عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، موسى أبو مرزوق، إذ تساءل عبر «الفايسبوك»: «هل ينسحب موظفو المعابر ليشاركوا زوجاتهم جلي الصحون وتنظيف المنازل؟».
في القضية نفسها، وعلى سبيل المثال، فإن الوكلاء العامين في الوزارات يلاحظ أنهم يتعاملون بندّية مع الوزراء الباقين الذين يديرون الحكومة من رام الله، وفق ما يشرح مصدر حكومي لم يرد ذكر اسمه. المصدر لفت إلى أن الوزراء أنفسهم لا يبدون أي اهتمام بسير العمل الحكومي داخل القطاع... «وهذا ما يدفع وكلاءهم إلى أخذ القرارات على عاتقهم».
بذلك تتجلى مقولة رئيس الوزراء السابق، إسماعيل هنية، حينما أعلن وقت تسليم الحكومة «أننا غادرنا الحكومة ولم نغادر الحكم». وعملياً، فإن متابعة اليوميات الوزارية تؤكد أن «حماس» لم تسلم بمبدأ النأي بالنفس عن التدخل في الشأن الحكومي.
ومن باب الإنصاف، فإن الحركة كانت تتطلع إلى مصالحة تمثل لها طوق نجاة وبديلاً آمناً لتوفير رواتب موظفيها دون الحاجة إلى دفع ضريبة إضافية في الحكم، في ضوء الحصار القائم. وهو ما يعترف به مصدر في الحركة يشير إلى أن إدارة القطاع لم تكن تمثّل «مغنماً» بالنسبة إلى «حماس»، في ضوء تأثير الأداء الحكومي السلبي على شعبية الحركة. أما الآن، فلا يزال يساور «حماس» الشك بسقوط ورقة التوت عن المصالحة في أيّ لحظة، لذلك تقيم «حكومة عميقة» يديرها مسؤولون فيها، مستغلة بذلك أن نحو 13 وزارة من أصل 17 يديرها وزراء في رام الله.
المصدر الأول عاد ليشرح أن سيناريوهات التعامل مع المصالحة الهشة متعددة، فمن الممكن أن تقدم الحركة على إعادة إدارة غزة، لكنه استبعد ذلك في الوقت الراهن وخاصة بعد تردي العلاقة مع مصر. كذلك لمّح إلى تذمر «حماس» من تصريحات وزير الإسكان، مفيد الحساينة، التي قال فيها «إن عدم تسليم الحكومة لإدارة معابر غزة، من أحد أهم الأسباب التي أفضت إلى بطء شديد في عملية الإعمار». وبالعودة إلى الموقع الإلكتروني للوزارة في غزة، وجدنا أن أقوال الوزير المتعلقة بالمعابر قد أسقطت من الخبر المتعلق بتصريحاته الأخيرة، وجرى الاكتفاء بتسليط الضوء على ضرورة أن «تفي الدول المانحة بتعهداتها تجاه إعادة الإعمار».