حرصت إسرائيل أمس على نفي تورّطها في انفجار دمشق، واضعةً إياه في سياق مصلحة إيران بكبح التقرّب الحاصل بين سوريا والغرب، فيما رأت الصحف العبرية في الاعتداء إشارة إلى فقدان السيطرة الأمنية داخل سوريا في ضوء تعرضها لسلسلة أحداث مماثلة خلال الأعوام الأخيرة
محمد بدير
رأى وزير الرفاه الاجتماعي الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أمس أن «العملية التفجيرية في دمشق هي آخر شيء تحتاجه إسرائيل»، موضحاً أنه «لا يعقل أن تجري إسرائيل مفاوضات، وفي موازاة ذلك تكون مسؤولة عن عمليات تفجيرية من هذا النوع».
ورأى هرتسوغ، الذي كان يتحدث على هامش الاجتماع الأسبوعي للحكومة، أنه «قد يكون لإيران مصلحة في هذا الاعتداء للمسّ بالمفاوضات بين إسرائيل وسوريا ولتخريب أي تقارب بين سوريا والغرب».
كذلك نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية قولها إنه «لا توجد أي علاقة لإسرائيل بهذا الحدث».
واحتل الحدث السوري مساحة مهمة في تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخصوصاً المكتوبة منها. ورأى محلّلون في الصحف العبرية، أمس، أن الانفجار يعكس تقوّض الوضع الأمني داخل سوريا وأن الرئيس السوري بشار الأسد فقد السيطرة الأمنية في بلاده.
وكتب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، أن «الانفجار في دمشق هو الأخير في سلسلة طويلة من الأحداث التي تعكس اهتزازاً خطيراً في الوضع الأمني الداخلي في سوريا». وأشار إلى أنه «رغم اتهام سوريا لإسرائيل بمعظم هذه الأحداث، فإن التقدير السائد في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هو أن الرئيس السوري بشار الأسد سيختار عدم الرد ويفضل عدم الوصول إلى تصعيد مع إسرائيل، وذلك أخذاً بالاعتبار أن الوضع السياسي لسوريا على الساحة الدولية تحسّن بصورة ملحوظة في الأشهر الأخيرة».
وتوقف محلل الشؤون العربية في الصحيفة نفسها، تسفي بارئيل، عند التوصيف السوري الرسمي للانفجار كـ«عملية إرهابية» وليس اعتداءً ليجد فيه تلميحاً إلى تحميلٍ ضمني للمسؤولية عنه إلى منظمات إسلامية أصولية. وعلى هذه الخلفية، ربط الكاتب بين الانفجار والحشد العسكري السوري على الحدود الشمالية مع لبنان خلال الأيام الأخيرة، ليخلص إلى أن هذه المنظمات التقطت التهديد السوري باجتياح معاقلها في لبنان وسارعت إلى حركة استباقية تظهر فيها «قدراتها الإرهابية» في مقابل النظام السوري.
ورأى بارئيل أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها سوريا تكمن في ضعف الاستخبارات الوقائية التي حالت دون النجاح في منع سلسلة من العمليات داخل الدولة في العامين الأخيرين. وأضاف «أن عملية من النوع الذي حصل أمس (السبت)، والتي تبدو كحادثة عمل أو فشل استخباري لمنفذيها، الذين أرادوا أن يضربوا هدفاً أكثر أهمية، تهز الصورة الواثقة التي تجهد دمشق لإظهارها والقول من خلالها إنها ليست ساحة للعمليات».
بدوره، رأى محلل الشؤون الاستخبارية والاستراتيجية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رونين برغمان، أن «الأمر المؤكد في ما يتعلق بالجارة في الشمال (سوريا)، والتي تعدّ إحدى الدول المستقرة في الشرق الأوسط، هو أنها أصبحت مستباحة، وهكذا يظهر الأسد في الرأي العام العربي والدولي كمن لا ينجح في السيطرة على ما يجري في بيته».
وعرض بيرغمان لقوس الاحتمالات النظرية التي يمكن أن تفسر الجهة التي تقف وراء التفجير من دون أن يستبعد في هذا السياق إسرائيل. وأشار إلى أن المنطقة التي وقع فيها الانفجار «تعجّ بالنشاط الإيراني. ويمكن الافتراض أنه لو كانت الاستخبارات الإسرائيلية تهتم بما يجري في دمشق، لحظيت هذه المنطقة باهتمام خاص».
ومن بين الفرضيات التي أثارها بيرغمان، إمكان أن يكون التفجير ناجماً عن خلل وقع في إحدى إرساليات السلاح السورية إلى حزب الله، أو حادثة عمل للأجهزة الأمنية السورية، أو عملية دبرتها جهات لبنانية معارضة للتدخل السوري في بلادها، وصولاً إلى فرضية وقوف النظام السوري نفسه وراء التفجير من أجل تبرير عملية عسكرية سوريّة في لبنان. ولم ينس أن يدخل في دائرة الاحتمالات مسؤولية تنظيم «القاعدة»، الذي وصفه بأنه «معادٍ جداًَ للنظام السوري».
بدوره، رجح محلل الشؤون العربية في صحيفة «معاريف»، جاكي خوغي، ما سمّاه «الطابع العراقي» للاعتداء في دمشق «خلافاً للعمليات الغريبة الأخرى التي وقعت في السنوات الأخيرة على الأراضي السورية».
ووضع خوغي الانفجار في سياق موجة «إرهاب الانتحاريين عديم التمييز» الذي «لم تعد أي دولة في المنطقة حصينة حياله» في أعقاب أحداث 11 أيلول واحتلال العراق. ورأى أن الحصانة التي حصلت عليها سوريا من خلال الدور الذي مارسته استخباراتها في «شد الخيوط خلف الكواليس في ما يجري في العراق» كانت مؤقتة، وأنه بات من الواضح للجميع أن «غابة عديمة القوانين نشأت على ضفاف دجلة والفرات وأن من يلعب بالنار سيحرق يديه». ورجح الكاتب أن يكون شبان سوريون من الذين انضموا إلى «صناعة الموت» التي نشأت في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين هم المشبوهون بتنفيذ الاعتداء في دمشق «بتكليف من محافل الجهاد التي تدير صراعاً ضد نظام الأسد». ورأى أنه «مثلما هي الحال في أحداث مشابهة في دول عربية أخرى، الأمر عبارة عن لعبة سيطرة وقوة، يجنّد فيها الدين للصراع ولكن من دون أن يكون سبباً له».
وخلص خوغي إلى أن «دمشق ستعرف كيف تبتلع هذا الضفدع، مثلما ابتلعت ضربات أكثر إيلاماً»، مضيفاً «رغم الثمن الباهظ، يحق للسوريين أن يشكروا الله. فمن فجّر سيارة في يوم عطلة، في ساعة صباحية باكرة وفي حي بعيد عن مركز المدينة، لا يعرف صنعته جيداً أو أنه ببساطة وقع في حادثة عمل. ففي العراق انتهت مثل هذه العمليات بمئة قتيل».