بغداد ــ الأخبارمع تسلّم الجنرال ريمون أوديرنو قيادة قوات الاحتلال في العراق، بدل سلفه ديفيد بيترايوس الذي كُوفئ على «إنجازاته» في بلاد الرافدين ورُفِّع إلى منصبه الجديد في قيادة القوات الأميركية المسؤولة عن مناطق الشرق الأوسط وأفغانستان، يدخل الملف العراقي مرحلة جديدة، وخصوصاً على أعتاب انتخاب إدارة أميركية جديدة، يُرَجَّح أن تقرّ انسحابات أميركية واسعة من الميدان العراقي.
وبدا في كلمات احتفال التسليم والتسلّم الذي حصل في بغداد أمس، بحضور وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي بات ليلته في المنطقة الخضراء، مدى حرص المسؤولين الأميركيين على عدم الإفراط في التفاؤل حيال الوضعين الأمني والسياسي في بغداد.
حذر قد تخفّ وطأته إذا حصل ما أكّده رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات في مجلس النواب، هاشم الطائي، الذي أعلن أنّ التصويت على قانون انتخابات مجالس المحافظات سيتمّ في جلسة اليوم، موضحاً أنّ التحالف الكردستاني «أبدى مرونة في حل الموضوع للوصول إلى نتائج ترضي جميع الأطراف في ما يخصّ المادّة 24 من القانون» الذي سبق أن أقرّه البرلمان في تموز الماضي ونقضه مجلس الرئاسة.
غير أنّ الحلحلة السياسية بشأن انتخابات كركوك، وإن حصلت اليوم، لا يزال يقابلها توتّر أمني تشير التقارير الآتية من بلاد الرافدين إلى أنه يزداد سخونة، لكنه لا يزال بعيداً عن الإعلام. وفي هذا السياق، عُقد في قضاء خانقين، أمس، اجتماع ضم مجموعة من القادة العسكريين والأمنيين لمناقشة النزاع الذي ينحو نحو العنف بين الجيش العراقي وقوات البشمركة الكرديّة بشأن أحقيّة الانتشار المسلَّح في القضاء المختلط.
وقال مصدر مقرّب من اللواء الرابع للجيش العراقي إنّ الاجتماع عُقد في منطقة شيخ بابا التابعة للقضاء بين آمر اللواء الرابع للجيش العقيد الركن عبد العظيم الزيدي، وقادة شرطة كرميان.
وبحسب المصدر نفسه، فقد تقرر خلال الاجتماع دخول قوات الحكومة المركزية إلى مناطق شيخ بابا وقره تبه «وانسحاب القوات الكردية من أسطح المنازل التي اتخذتها مراصد عسكرية لها منذ يوم الأحد الماضي، وتسليم نقاط التفتيش التي تتمركز فيها قوات البشمركة إلى القوات العراقية»، وذلك بعد تعرُّض نقاط تفتيش عديدة تابعة لقوات الجيش قرب خانقين لقصف بصواريخ الكاتيوشا في اليومين الماضيين.
وبين التطوّر السياسي والتوتّر الأمني، برز تعيين الرئيس السوري بشار الأسد محافظ القنيطرة، نواف فارس، سفيراً لسوريا لدى بغداد. ولفتت وكالة الأنباء الرسمية السورية «سانا» إلى أنّ فارس أدى اليمين القانونية أمام الأسد ليصبح أوّل سفير لدمشق في بغداد منذ نحو ثلاثة عقود، حيث قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1980.
وتزامنت مراسم الاحتفال العسكري في بغداد مع موجة تفجيرات عنيفة، أدّت إلى مصرع أكثر من 20 شخصاً، يُضافون إلى أكثر من 104 قتلى وجرحى سقطوا في اليومين الماضيين.
وحذّر أوديرنو من كون النجاحات الأمنية التي تحققت في البلاد «لا تزال هشّة ويمكن أن تزول»، وذلك في الاحتفال السياسي والعسكري الذي نُظّم للمناسبة في أحد قصور الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قرب مطار بغداد الدولي.
وأقرّ أوديرنو بأنّ أمامه مهمة صعبة، على الرغم من انخفاض العنف إلى مستوى غير مسبوق منذ أربعة أعوام، موضحاً أنّ العراق اليوم «بلد يختلف عن المرة الأولى التي زرته فيها، لكن نقرّ بأن هذه المكتسبات لا تزال هشّة ويمكن أن تزول. لذلك لا يزال أمامنا الكثير من العمل لنقوم به، وخصوصاً في مجال تجهيز السلطات العراقية لتولّي مسؤولية أكبر في مجال الأمن مستقبلاً». وعن إمكان خفض عديد قواته في العراق، أوضح القائد الجديد للحرب أنّ أي خفض «سيستبدل أوتوماتيكياً بقوات عراقية، وسيجري بالتنسيق مع حكومة بغداد».
بدوره، كرّر غيتس ما سبق أن قاله عن تقويمه لوضع العراق قبل أيّام، فأشار إلى أن بلاده «تسير أكثر باتجاه نهاية اللعبة هنا، وأنا متأكد من أنّ أوديرنو سيتخذ قرارات صعبة لكنها ضرورية لحماية مصالحنا الوطنية».
وكان غيتس يتحدّث على وقع تظاهرات أنصار السيد مقتدى الصدر الاحتجاجية على زيارته «التي تأتي في إطار ممارسة ضغوط على الحكومة لتوقيع الاتفاقية الأمنية التي ترفضها غالبية العراقيين» على حدّ تعبير المتحدث باسم التيار الصدري صلاح العبيدي.
وتابع غيتس أنّ «الأوضاع تتغير، والسلطات العراقية ستتسلّم المزيد من المسؤوليات الأمنية»، معرباً عن أمله أن تتحوّل استراتيجية بلاده العسكرية «إلى استراتيجية سياسية واقتصادية ودبلوماسية».
ورسم غيتس صورة ورديّة لبيترايوس، الذي «تسلّم مهماته عندما عمّ الظلام هذا البلد، وفيما كانت الفوضى تزداد، والموت كان حالة مألوفة»، مكرّساً إياه «كأحد أبطال معارك أمتنا العظيمة في التاريخ».