يخوض حزب «كديما» اليوم تجربته الانتخابية الأولى لاختيار رئيس له من بين أربعة: تسيبي ليفني، شاوول موفاز، آفي ديختر ومئير شطريت. لكن المنافسة تبدو منحصرة بأول اثنين، «السيدة نظافة» و«السيد أمن»

ليفني: السيدة نظافة



«السيدة نظافة»، «عميلة الموساد»، «عصفورة»، «زعيمة ضعيفة»، «طائر غريب»، «نيزك سياسي»، «يمينية أكثر من اليمين»، «الراهبة تيريزا» ، كلها أوصاف أُطلقت على وزيرة الخارجية تسيبي ليفني

مهدي السيد
لو قُيّض لتسيبي ليفني أن تختار بنفسها وصفاً معيناً لنفسها، لما ترددت لحظة واحدة في اختيار لقب «السيدة نظافة». ولو أُتيح لها تطعيم هذا الوصف بآخر، لوقع اختيارها حتماً على «عميلة الموساد»، ذلك أن هذه التوليفة بين «النظافة والأمن» تُمثّل وصفة مضمونة لأي مرشح لتبوّء صدارة المنافسة.
منذ بروز ملامح حسم الملف الجنائي لإيهود أولمرت «الفاسد مالياً والفاشل أمنياً»، حرصت ليفني على تقديم نفسها بديلاً «نظيفاً» ونموذجاً «لسلامة المعايير» في الحكم. لكنها سعت أيضاً إلى مواجهة «عقدة» وجود قيادة غير عسكرية ـــــ أمنية وقليلة الخبرة على رأس السلطة، تفاعلت إثر عدوان تموز 2006 وفشله الذريع.
«عقدة» تتفاقم أمام ليفني في ضوء حقيقة أن منافسها الرئيس، شاؤول موفاز، قادم من عالم العسكر، شاهراً خبرته في هذا المجال سلاحاً أساسياً في مواجهتها، ما دفعها إلى «إشهار» تاريخ عملها مع جهاز «الموساد»، في الفترة التي ترافقت مع احتمالات سقوط أولمرت، في إيحاء بأنها تملك أيضاً ماضياً أمنياً، رغم أنها امتنعت طوال سنين عملها السياسي عن التطرّق إلى هذه النقطة.
ولدت ليفني ( 50 عاماً) في تل أبيب في الثامن من تموز عام 1958، وترعرعت في كنف عائلة تنتمي إلى اليمين القومي، وهي ابنة إيتان ليفني، أحد كبار منظمة «إتسل» وضابط العمليات فيها، والذي شغل منصب عضو كنيست عن حزب الليكود. كما كانت والدتها عضواً في هذه المنظمة. متزوجة من نفتالي شفيتسر، الذي يُعدّ يدها اليمنى في حملتها الانتخابية، وأم لولدين. انتُخبت في الكنيست للمرة الأولى في عام 1999، عن حزب الليكود. وخلال السنوات العشر الماضية، قفزت ليفني قفزة كبيرة جداً من المقاعد الخلفية لكتلة الليكود إلى طاولة الحكومة، وصولاً إلى منصب وزيرة الخارجية، ما جعلها ثاني امرأة تتولى وزارة الخارجية في تاريخ إسرائيل بعد غولدا مائير التي تولّت رئاسة الوزراء في ما بعد. وفي حال تولّيها رئاسة الحكومة، ستكون ليفني أيضاً ثاني إمرأة تتولى هذا المنصب بعد مائير، في تاريخ إسرائيل، على الرغم من الفوارق بين شخصية الامرأتين.
تهوى ليفني، التي أدرجتها مجلة «التايم» ضمن قائمة الشخصيات المئة المؤثرين في العالم، قرع الطبل في أوقات الفراغ، وهي نباتية ولاعبة كرة سلة سابقاً، تحب أكل الشوكولا، وهي تغني خلال الليل في أندية الغناء العامة. ينظر إليها كثير من الإسرائيليين كطائر غريب في السياسة الإسرائيلية، وتفتقر إلى الكاريزما في خطاباتها.
أول منصب شغلته ليفني في أجهزة الدولة كان عملها في «الموساد» بين 1980 ــــ 1984. بعد ذلك عادت إلى إسرائيل وفتحت مكتباً للمحاماة. وعندما لم تنجح في دخول الكنيست في انتخابات 1996، عُيّنت مديرة عامة لشبكة الشركات الحكومية، وفي عام 1999 انتخُبت للكنيست.
بعد فوز أرييل شارون في انتخابات رئاسة الحكومة عام 2001، قُدّمت لفني وعُيّنت وزيرة للتعاون الإقليمي. وفي السنوات التالية، عملت وزيرة للزراعة، وزيرة للبناء والإسكان ووزيرة للهجرة والاستيعاب، حيث نالت جائزة «جودة السلطة» في عام 2004.
التقدم التالي لليفني حصل عندما عُيّنت وزيرة للعدل، حيث أدت دوراً مركزياً في صياغة قانون فك الارتباط، ووقفت إلى يمين شارون في ضوء التوترات المتزايدة داخل «الليكود» على خلفية إخلاء غوش قطيف. وفي تشرين الأول 2005، كانت على رأس السياسيين الذين انشقوا مع شارون عن «الليكود» وأنشأوا «كديما»، حيث أدّت دوراً أساسياً أيضاً في صياغة برنامجه. وبعد فوز أولمرت في انتخابات 2006، عُيّنت ليفني وزيرة للخارجية وقائمة مقام رئيس الحكومة.
نقطتا الضعف الأساسيتان لليفني خلال تولّيها وزارة الخارجية، تتعلقان بصورة مباشرة أو غير مباشرة بحرب لبنان الثانية. الأولى تتعلق بالقرار 1701، الذي كانت مسؤولة عن الاتصالات لصياغته، والثانية تتعلق بسلوكها السياسي تجاه أولمرت تحديداً، في ضوء نتائج لجنة فينوغراد. هاجمها خصومها على النقطة الأولى بحجة أن الاتفاق عزز قوة حزب الله، وعلى الثانية، بسبب جبنها وترددها في اتخاذ قرار جريء ضد أولمرت، وهي لم تفعل ذلك إلا بعد تيقّنها من ضعفه وحتمية سقوطه، بعدما سبقها إيهود باراك إلى ذلك.
وعلى خلفية هاتين النقطتين، اتهمها خصومها بقلة الخبرة الأمنية والضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
في ما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين، تعارض اتفاق مبادئ مؤقت ومشروط، وتؤيّد المفاوضات التفصيلية في جميع المواضيع، مع الإصرار العنيد على المصالح الإسرائيلية، وهي تعد بالتصلّب في موضوع القدس المحتلة، وترفض كلياً عودة أي لاجئ فلسطيني، وتتباهى بأنها أدّت دوراً كبيراً في إدخال عودة اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية ضمن رسالة الضمانات التي بعث بها الرئيس الأميركي جورج بوش إلى شارون.
أما على الصعيد اللبناني، فتدافع ليفني بشدة عن القرار 1701، وترى أنه كان أفضل الخيارات المتاحة. في الموضوع السوري، ترفض ليفني الالتزام بالانسحاب من الجولان، وتقول إن المفاوضات لا تخاض من خلال الصحف، والسلام في نظرها «ليس تبادلاً للسفارات وإمكان أكل الحمّص في دمشق، بل بالأساس خروج سوريا من محور الشر والتوقف عن دعم الإرهاب».
في الموضوع الإيراني، تشير ليفني إلى ضرورة أن تبقى جميع الخيارات متاحة ومطروحة، وتصرّ على ألا تكون الجبهة ضد إيران حكراً على إسرائيل، بل أن يكون الدور الإسرائيلي جزءاً من المسعى الدولي ضد طهران.

موفاز: السيّد أمن



تخشى شريحة إسرائيلية نجاح شاؤول موفاز في تولّي رئاسة حزب «كديما»، وبالتالي إمكان تولّيه رئاسة الحكومة، استناداً إلى مواقفه المتشددة وخشية أن يسبّب لإسرائيل حروباً، يفتخر أنه قاد مثيلاتها

يحيى دبوق
قبل أيام من موعد الانتخابات التمهيدية لرئاسة حزب «كديما»، وصفت صحيفة «هآرتس» التصويت لوزير النقل الإسرائيلي شاؤول موفاز، بـ«الخطأ التاريخي»، داعية إلى نبذه. ورأت الصحيفة ذات الميول اليسارية أن «تحوّل موفاز إلى مرشح لرئاسة وزراء إسرائيل، سيكون يوماً أسود ينتخب فيه مرشح غير جدير ومرفوض. فأخطاء (رئيس الحكومة الإسرائيلية) إيهود أولمرت التي نسعى الآن إلى التطهّر منها، ستبدو ناصعة البياض، بالمقارنة مع أعمال موفاز كرئيس لهيئة الأركان وكوزير للدفاع».
يخوض موفاز حملته الانتخابية لرئاسة «كديما»، تحت شعار «من أجل أمننا، صوّتوا لموفاز»، مركّزاً على الخبرة العسكرية الكبيرة التي يملكها، كوزير دفاع سابق (2002 - 2006)، التي تولّاها بعد مسيرة مهنية لسنوات طويلة في الجيش الإسرائيلي، تسلّم خلالها مناصب عسكرية رفيعة، من بينها ترؤسه لهيئة أركان الجيش (1998 – 2002) وهي الفترة التي شهدت اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، إذ يعزو لنفسه «سحقها» بعدما قاد عملية «السور الواقي» في عام 2002، ودخول الجيش الإسرائيلي إلى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.
يفتخر شاؤول موفاز، الذي تصفه الصحف العبرية بـ«السيد أمن»، بأنه وراء قرار اغتيال الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وأنه هو من أقنع رئيس الوزراء السابق أرييل شارون في حينه، بأن اغتياله لن يسبّب انتفاضة في العالم العربي أو لدى الفلسطينيين. كما يفتخر بأنه وراء اغتيال عدد كبير من المسؤولين الفلسطينيين، من بينهم الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وغيره..
ورغم مسيرته العسكرية المهنية، إلا أن خصومه يعيبون عليه أنه الأقل خبرة من بين رؤساء أركان الجيش في تاريخ إسرائيل، إذ جرى اتخاذ القرار بترقيته من قبل الدوائر السياسية الإسرائيلية، للحؤول دون وصول ضباط آخرين إلى رئاسة الأركان، مؤيدين لحزب «العمل» الإسرائيلي ولمفاوضات التسوية مع الفلسطينيين وسوريا.
عارض موفاز اتفاقية أوسلو عام 1993، حول الحكم الذاتي الفلسطيني، واصفاً إياها بأنها «أسوأ خطأ ارتكبته إسرائيل» في تاريخها. وكان من دعاة طرد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي وصفه بـ«الإرهابي». أما لجهة التسوية، فيرى وجوب عدم التنازل عن القدس المحتلة وإبقائها موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية، إضافة إلى عدم التنازل عن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أو رجوع أي لاجئ فلسطيني في إطار حق العودة.
وينتقد موفاز التهدئة في غزة، التي يؤيدها رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، ومن خلفه وزير الدفاع إيهود باراك، ويقول «أخطأنا بالاهتمام بحماس، وأخطأنا في قضايا التهدئة، من دون أن نبحث عن إيجاد ردع». ورأى أن التهدئة «هي اتفاق استسلام كامل لإسرائيل، أمام حماس».
ورغم الانتقادات التي يسوقها ضده بعض المسؤولين الإسرائيليين، من أنه كان السبب في ترهّل الجيش الإسرائيلي وعدم الجهوزية التي بان عليها خلال حرب عام 2006 ضد حزب الله، إلا أنه ينتقد القرار 1701، ويرى أنه «أفرغ تقريباً من مضمونه». ومن دون أن يطرح استراتيجية عمل إسرائيلية، يشدد في تصريحاته على «قلق إسرائيل البالغ من تعاظم قوة حزب الله في الجنوب اللبناني»، مشيراً إلى أن «حزب الله ضاعف من عدد صواريخه البعيدة المدى، ويعدّ العدّة للمعركة المقبلة مع إسرائيل». بل يتحسّر على عدم فاعلية الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، التي «لا تشكل عقبة أمام تعاظم القوة العسكرية للحزب».
أطلق موفاز جملة من المواقف المتشددة ضد إيران، ودعا في أكثر من مناسبة، بصفته مسؤولاً عن الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلى توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، رافضاً أي حوار أو تفاهم معها، ما دامت تصرّ على مواصلة تخصيب اليورانيوم.. وصرح أخيراً أنه «لا مفر من توجيه الضربة العسكرية، لأن نافذة الفرص آخذة في الانغلاق وأن العقوبات الدولية لا تكفي وغير ناجعة»، مشيراً إلى أنه «إذا واصلت إيران برنامجها لتطوير سلاح نووي فسنهاجمها». لكنه أضاف أن «كل عملية عسكرية ضد إيران ستكون بموافقة، وبتفهم وبدعم من الولايات المتحدة».
وفي محاضرة ألقاها في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في وقت سابق من العام الجاري، قال «إننا وضعنا مقاربة استراتيجية لمنع إيران من الحصول على القدرة النوويّة، مبنيّة على ثلاثة أصول. أوّلاً، أن يكون لدينا جبهة موحّدة ضدّ إيران مؤسسة على قيادة الولايات المتّحدة والبلدان الأوروبيّة وغيرها؛ ثانياً، العقوبات الفاعلة؛ وثالثاً، أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، في إشارة إلى إمكان العمل بالخيارات العسكرية ضد إيران.
وفي ما خص الموقف من سوريا، يرى موفاز أنه «من الممكن إرسال مبعوثين ونقل الرسائل (إلى السوريين)، لكن لا لمفاوضات تكون هضبة الجولان هي الفدية فيها». وعرض على مستوطني الهضبة، خلال حملته الانتخابية التي بدأها منها في شهر حزيران الماضي، خطة تنمية للجولان لمدة خمس سنوات، بالتزامن مع النية الإسرائيلية الرسمية للشروع في مفاوضات علنية مع السوريين، على اتفاق تسوية.
ويرى موفاز أن صيغة الاتفاق مع سوريا يجب أن تكون على قاعدة: السلام مقابل السلام، إذ إن «هضبة الجولان هي أرض إسرائيلية.. وهي ليست مجرد ثروة استراتيجية يحظر التنازل عنها بأي شكل من الأشكال (وإنما هي) منطقة جميلة جداً وأنا أفكر بالانتقال للإقامة فيها».
ولد موفاز في طهران في عام 1948 وهاجر إلى إسرائيل في عام 1957. متزوج وله أربعة أولاد.

آفي ديختر



يُعدّ آفي ديختر، القادم من عالم «الشاباك»، السياسي «الأحدث» من بين المرشحين الأربعة لرئاسة «كديما». فهو انضم الى هذا الحزب في كانون الأول 2005، بعد شهر على تأسيسه، ثم عُيّن وزيراً للأمن الداخلي.
وُلد ديختر عام 1952، في عسقلان. متزوّج ولديه ثلاثة أولاد. يُعدّ المسؤول عن قولبة مصطلح «الإحباط المركز» الذي يُقصد به اغتيال قادة الانتفاضة، وتُنسب إليه المسؤولية عن اغتيال «المهندس» يحيى عياش، والشيخ أحمد ياسين، وكبار مسؤولي حركة «حماس».
(الأخبار)

مئير شطريت



انتخب مئير شطريت للمرة الأولى عضواً في الكنيست، عن حزب «الليكود»، عام 1981. واستمر لسبع سنوات متوالية الى حين استقالته منه عام 1988، من أجل تولي منصب محاسب في الوكالة اليهودية. ولكنه عاد عام 1992 إلى الكنيست.
انشق عام 2005، مع شارون، عن «الليكود» من أجل تأسيس «كديما». وتولى حقيبة البناء والإسكان بعدما عُيّن وزيراً للداخلية. وتعهد بأنه في حال انتخابه لن يؤلف حكومة بأي ثمن وأنه إذا ما حاول أحد «ابتزازه» فسيختار حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة.
(الأخبار)

حكاية «مغامرة» أنتجت حزباً يسعى لتثبيت وجوده



محمد بدير
عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون، في عشرين تشرين الثاني عام 2005، عزمه على الاستقالة من «الليكود» وتأسيس حزب جديد، وصف رئيس حزب «العمل» في حينه، عامير بيرتس، خطة شارون بـ«المغامرة المؤقتة». مغامرة كانت في نظر شارون لا بد منها بعدما توصل إلى اقتناع بأن «الحياة في الليكود (الحزب الذي أسسه) لم تعد تحتمل» في ظل حالة العصيان التي قادتها كتلة «المتمردين» داخل الحزب ضده على خلفية خطة فك الارتباط عن قطاع غزة. بيد أن المغامرة تحولت سريعاً إلى «انفجار كبير» في المشهد السياسي الإسرائيلي ولّد تكهنات بإعادة تكوين الخريطة الحزبية على أسس جديدة بعيداً عن ثنائية «الليكود ـــــ العمل» التي تكرست على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
بين العجز السياسي الذي لازم حزب «العمل» في مرحلة ما بعد إسحق رابين من جهة، والجمود السياسي الذي كان يعنيه تشدد الجزء الأكبر من أعضاء كتلة «الليكود» البرلمانية وكذلك لجنته المركزية، سعى «كديما» (إلى الأمام) إلى تقديم نفسه أمام الجمهور الإسرائيلي بوصفه حزب الأمل المتجدد بإحداث تغيير يخرج إسرائيل من أزمتها في الحكم والسياسة ويعكس رغبة الأغلبية الجديدة التي تطلب طريقاً ثالثاً.
ساعده في ذلك انطلاقته القوية التي استمدت زخمها من جملة عوامل، أهمها وجود «ملك إسرائيل» ـــــ كما كان يلقب أرييل شارون ـــــ على رأسه، وكذلك قدرته على استقطاب نحو عشرين عضو كنيست من حزبي «الليكود» و«العمل» في الأسابيع الأولى لتأسيسه، بعضهم من القادة التاريخيين مثل شمعون بيريز ويتسحاق هانغبي. ورغم أن الحزب لم يقدم لناخبيه ابتداءً برنامجاً سياسياً طموحاً، واقتصر على تشديد الالتزام بخريطة الطريق مشروعَ حكم، إلا أنه تمكن بسهولة من حجز مساحة واسعة من التأييد الشعبي، حيث توقعت له استطلاعات الرأي حصد نحو 45 مقعداً نيابياً في الانتخابات التي تقررت في آذار 2006 في أعقاب توجه شارون إلى رئيس الدولة آنذاك، موشيه كتساف، وإبلاغه تعذر الاستمرار في الحكم. لكن سقوط شارون في غيبوبته في وقت كان لا يزال فيه عود حزبه الوليد طرياً أفقد الأخير أهم روافعه الشعبيةً.
في غضون ذلك، ومع جلوس إيهود أولمرت على كرسي شارون بالوكالة، كان لا بد من مشروع سياسي يُقدم للناخبين، فكانت «خطة الانطواء» من الضفة الغربية التي طرحت بوصفها محك الولاء السياسي لـ«كديما» والتصويت له. خطةٌ جاءت «حرب لبنان الثانية» لتطيحها وتترك الحزب من دون مشروع يبرر بقاءه.
إلى جانب ذلك، وضعت نتائج الحرب «كديما» أمام اختبار القدرة على إعادة إنتاج قيادته في ضوء فشلها. اختبار ظهر فيه الحزب، الذي فُصِّل نظامه الداخلي على قياس مؤسسه شارون، عاجزاً عن استبدال رئيسه الأقل شعبية في تاريخ إسرائيل لا بعد الحرب ولا بعد صدور تقرير فينوغراد ولا بعد توالي قضايا الفساد بحقه.
في تقويم إجمالي لفترة حكم «كديما»، ثمة بين المعلقين الإسرائيليين من يتوقف عند عناوين ثلاثة: الفشل والعجز والعبثية. الفشل في حرب كان الرهان عليها بتغيير الوضع الاستراتيجي لإسرائيل جذرياً لعقود آتية، والعجز في مواجهة حكومة «حماس» في قطاع غزة، وصولاً إلى الاعتراف الضمني بها من خلال التهدئة الأخيرة، والعبثية التي تنطوي عليها المفاوضات الاستعراضية العديمة الأفق مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. يضاف إلى هذا السجل، تمكن الحزب من دخول موسوعة غينيس الإسرائيلية من خلال رئيسه الذي حطم الرقم القياسي في عدد قضايا الفساد التي يتهم بالتورط بها.
مع استبدال أولمرت، يكون حزب «كديما» قد اجتاز قطوعاً قاسياً في مسيرة نموه القصيرة، إلا أن الاستحقاق الذي يجد الحزب نفسه في مواجهته الآن هو أن يثبت لنفسه ولخصومه المتربصين به على الحلبة السياسية في إسرائيل أن وجوده المهدد ببداية السقوط في الانتخابات العامة المقبلة أكبر من مجرد مغامرة.

التحدّيات الداخليّة والإقليميّة



علي حيدر
يرث الرئيس الجديد لـ«كديما»، تركة ثقيلة، راكمها سلفه إيهود أولمرت، من خلال إخفاقاته السياسية والأمنية، ومن خلال فضائح فساد ورشى مختلفة، ما سيُثقل عليه مواجهة الاستحقاقات المقبلة، بدءاً من تأليف الحكومة وتعزيز مكانته داخل حزبه ووسط الرأي العام، وانتهاءً بمواجهة التحديات الإقليمية، الأمنية والسياسية.
■ الاستحقاق الأول يتمثل بتأليف حكومة مستقرة، سيجهد أن تبصر النور، وخاصة أنه يخشى إجراء انتخابات مبكرة قد تؤدي إلى فوز «الليكود» ورئيسه بنيامين نتنياهو، برئاسة الحكومة المقبلة. وتتراوح الخيارات أمام الرئيس الجديد، بين تأليف حكومة وحدة وطنية وحكومة مقلصة، إما بصيغتها الحالية أو بصيغة أخرى.
في ما يتعلق بالخيار الأول، يمكن القول إن فرصه، في الظروف السياسية الحالية، متدنية، لكونه مرتبطاً بموافقة نتنياهو، الذي يرى ويصر على أن من مصلحته إجراء انتخابات مبكرة، استناداً إلى ما تظهره استطلاعات الرأي.
أما بالنسبة إلى إعادة تجديد الثقة بالحكومة وفق تركيبتها الحالية، فسيراهن الرئيس الجديد على مصلحة حزبي «العمل» و«المتقاعدين»، في عدم إجراء انتخابات مبكرة، انطلاقاً من أن تمثيلهما في الكنيست سيتراجع بشكل خطير جراءها، وبالتالي موافقتهما على الائتلاف في حكومته. لكن يبقى عليه أن يقنع حزب «شاس» الديني الحريدي، الذي رفع من سقف شروطه وهدد بعدم المشاركة في أي حكومة، رابطاً هذه المشاركة بعدم إجراء أية مفاوضات بشأن القدس مع الفلسطينيين. وتشير التجارب السابقة وأولويات «شاس» المالية، إلى أنه قد يخفف من حدة مواقفه إذا وُعد بهبات مالية لمؤسساته الاجتماعية والتعليمية.
لكن إذا فازت تسيبي ليفني في رئاسة «كديما»، وفشلت في إقناع حزب «شاس» للائتلاف في تشكيلتها الحكومية، فسيبقى أمامها خيار تأليف حكومة لا تحوز شرعية وسط اليهود، لأنها ستكون مدعومة من حزب ميرتس اليساري والكتل العربية، وهو خيار غير متوافر لدى منافسها شاؤول موفاز جراء مواقفه اليمينية.
ـــــ الاستحقاق التالي يتمثل بالعمل على توحيد «كديما» حول قيادته، بعد الشروخ التي أصابته بفعل الصراعات الداخلية والاتهامات البينية المتبادلة، أضف إلى وجوب العمل على تعزيز مكانة الحزب لدى الرأي العام الإسرائيلي. وما يثقل على المهمة، أن «كديما» بقيادته «السابقة»، لا يملك «ذخيرة» سياسية وشخصية تسمح له في توظيفها لتحسين صورته وتعزيز مكانته.
■ التحديات الإقليمية:
في ما يتعلق بالمسار الفلسطيني، فقد خلَّف أولمرت ومن سبقه، إرثاً ثقيلاً لكل رئيس وزراء لاحق، راكمته التجارب والمحاولات الفاشلة خلال سنوات طويلة. ولا يبدو أن أي رئيس جديد يملك حلولاً سحرية تسمح له بالتوصل إلى اتفاقات نهائية تغلق ملف القضية الفلسطينية. ويكفي في ذلك أن الحد الأقصى الذي تستطيع إسرائيل أن تقدمه لا يتقاطع مع الحد الأدنى الذي تستطيع السلطة الفلسطينية تسويقه لدى الشعب الفلسطيني.
أما المسار السوري، فإن فرصه وأخطاره الكامنة هي نفسها، بغض النظر عمن سيتولى رئاسة الحزب والحكومة، باعتبار أن آفاق هذا المسار مرتبطة بمعادلات إقليمية، من دون إغفال حقيقة أن المعادلات الداخلية الإسرائيلية لها تأثيرها المتفاوت، من مرحلة إلى أخرى، في تحديد مسار تطورات التسوية في المنطقة.
أما بخصوص مواجهة تعاظم القدرات العسكرية لكل من حزب الله و«حماس»، فإن الكلمة الفصل في هذا المجال هي للمؤسستين العسكرية والأمنية، التي ترى حتى الآن أن خوض أي حرب واسعة على أي من الجبهتين الشمالية والجنوبية، وتحديداً في مواجهة حزب الله، غير مضمونة النتائج، في حده الأدنى، فضلاً عن أن تكلفتها ستكون كبيرة جداً على إسرائيل ومجتمعها.
كما لا يُتوقع أن تتغير التوجهات الإسرائيلية، بخصوص مواجهة المشروع النووي، بتغير رئيس حكومتها.

ليفني رئيسة بالاستطلاعات وموفاز يعوّل على التنظيم



«كديما» يخوض تجربته الديموقراطية الأولى منذ تأسيسه نهاية عام 2005 من خلال انتخابات تمهيدية لرئاسة الحزب واستبدال إيهود أولمرت، وسط تساؤلات لم تحسم بعد. ماذا إذا حسمت الانتخابات من دون جولة ثانية؟ ما هي خيارات الساحة السياسيّة؟ في حال فوز شاؤول موفاز، يعني أن هناك احتمالات تأليفه حكومة بديلة. أما مع تسيبي ليفني، فاحتمالات الذهاب إلى انتخابات بداية العام المقبل ستكون أكبر من أي وقت مضى. هل سيستقيل أولمرت مباشرة بعد الانتخابات؟ أم أنه سيستغل كل يوم وسيقف على رأس حكومة تصريف أعمال لاستنفاد الفترة، وسيكون على رأس «الحكومة الانتقالية» في حال تعثُّر تأليف حكومة بديلة من الفائز؟

حيفا ــ فراس خطيب
اليوم، بعد شهور من الصراع المستديم على الحلبة الحزبية، سينتخب أعضاء الحزب الحاكم «كديما» خليفة لرئيسه إيهود أولمرت. ومن الممكن أنّ يكون الفائز رئيساً مقبلاً للحكومة الإسرائيلية، إلا أنَّ الأمر متعلق بتفاصيل ائتلافية وحسابات قد يجريها أولمرت نفسه، ولا تزال غير محسومة بعد.
الأنظار متجهة في هذه المرحلة نحو المرشَّحيْن الأوفر حظاً: وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، ووزير المواصلات شاؤول موفاز. ولا تزال استطلاعات الرأي تمنح المكان الأول لليفني، بفارق كبير عن خصمها موفاز. ففي استطلاع أجرته صحيفة «هآرتس» تبين أنَّ ليفني ستحصل على 47 في المئة من أصوات أعضاء «كديما»، في مقابل 28 في المئة لموفاز، و6 في المئة لكل من وزير الأمن الداخلي آفي ديختر، ووزير الداخلية مائير شطريت. ولم تقرر نسبة 13 إلى 18 في المئة لمن ستصوت.
كذلك نشرت صحيفة «معاريف» استطلاعاً آخر، تبينت فيه نتائج مغايرة، حيث تحظى ليفني بنسبة 42.5 في المئة، بينما يقلّص موفاز الفارق بينهما ويحظى بـ 30.4 في المئة من الأصوات؛ وديختر 9.6 في المئة وشطريت 6.4 في المئة.
ليفني متفوقة في الاستطلاعات، لكن موفاز متفوق تنظيمياً. حتى إن المقر الانتخابي لليفني يعترف بأنَّ موفاز يتمتع بقوة تنظيمية قد تقلب الاستطلاعات رأساً على عقب في يوم الانتخابات. بالإضافة إلى أن الاستطلاعات الراصدة للانتخابات التمهيدية عادة لا تكون موفقة، لأنَّ الفارق الكبير الظاهر من النسب المئوية لا يعني بالضرورة فارقاً كبيراً على أرض الواقع، ومن الممكن أن يقلصه «مقاولو الأصوات» في يوم الانتخابات.
ولا يسارع المراقبون في هذه المرحلة إلى تتويج ليفني رئيسة قبل أوانها، لأنَّ «التاريخ» الممتد سنوات إلى الماضي علّمهم «عدم التسرع» وأنَّ الاستطلاع الحقيقي في الانتخابات التمهيدية هو يوم الانتخابات نفسه، لا قبله.
كلّهم يذكرون الاستطلاعات التي منحت فوزاً كبيراً لشمعون بيريز على خصمه عامير بيرتس في الانتخابات التمهيدية لحزب العمل نهاية العام 2005، وكانت النتائج معاكسة تماماً للتنبؤات. وكلّهم يذكرون أيضاً الاستطلاعات التي منحت تفوقاً لعامي أيالون على إيهود باراك في عام 2007، لكن تبين العكس.
وقد أكد المرشحان «الضعيفان»، شطريت وديختر، أنهما لا ينويان الانسحاب من المعركة الانتخابية، وأنَّهما سيستمران في المنافسة، ما قد يزيد من الحال الضبابية.
ورأى موفاز، أمس، أن الإعلام والاستطلاعات لا يقرران شيئاً، والمصوتون هم فقط من سيحدد هوية الرئيس المقبل. في مقابل هذا، يعمل مقربو ليفني على سد الفجوات التنظيمية. وتسعى ليفني إلى إقناع المصوتين بالوصول إلى صناديق الاقتراع وعدم الاتكال على استطلاعات الرأي، ما قد يسبب خسارتها.
موفاز يصوّر نفسه على أنَّه الأوفر حظاً لتأليف حكومة بديلة بعد أولمرت. وقال، في اجتماع في مدينة نتانيا، إن «الذهاب إلى الانتخابات (العامة) في هذه المرحلة ليس وارداً». وأفادت أنباء أن موفاز توصل إلى تفاهمات مع الحزب الديني «شاس»، ليكون الأخير شريكاً في الحكومة المقبلة.
إلا أنَّ ليفني كانت قد أعلنت في السابق أنها تريد أن تؤلف حكومة بديلة، «لكن ليس بأي ثمن» (في إشارة لمطالب شاس)، ما يعني أنها لن تقدم تنازلات كبيرة. وإذا لم تنجح، فلا مشكلة بالنسبة إليها بالذهاب إلى الانتخابات العامة، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي تمنحها لقب «المنافس الأكبر» لرئيس حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو، بينما رئاسة موفاز لـ«كديما» تبقي الحزب في أسفل الخريطة.
وفي السياق، ذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن مقربي رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفضون بشدّة التلميحات الآتية من ليفني عن مطالبة أولمرت بالاستقالة بعد الانتخابات التمهيدية مباشرة. وقال المقربون إن أولمرت سيبقى رئيساً للحكومة حتى يستطيع رئيس الحزب الجديد تأليف حكومة بديلة. وأضافوا: «لقد أعلن أولمرت انه سيستقيل مباشرة بعد الانتخابات التمهيدية، وهكذا سيفعل، ولكن ما دامت هناك حكومة انتقالية، فسيقف أولمرت على رأسها»، مشددين على أنه «لن يخرج إلى عطلة، ولن يعتذر عن قيامه بمهامه» موجهين حديثهم إلى ليفني: «عليها أن تنسى هذا الاحتمال».
وذكرت صحيفة «معاريف» أن أولمرت ينوي استغلال كل الأيام الباقية ليكون رئيساً للحكومة من أجل «إنهاء اتفاق سلام في واحد من المسارين (الفلسطيني والسوري)». إلا أنها نقلت عن مقربين من ليفني قولهم: إذا فازت، فإنها «لن توافق على التواجد في حكومة ذات رأسين، فهذا ليس منطقياً». وأضافوا: «فلنفترض أن رئيس الوزراء يريد دفع اتفاق سريع مع سوريا، فهذا يتعارض مع موقف ليفني التي قالت إنها تمنح الأولوية للموضوع الفلسطيني». وأوضحوا أنه في حال انتخابها «فإنها هي التي يجب أن تقرر، لا رئيس الوزراء الذي سيذهب إلى بيته».
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مقربين من أولمرت قولهم إنّه إذا نجح الفائز برئاسة الحزب بتأليف حكومة بديلة، فإنَّ أولمرت «قد يستقيل من الكنيست أيضاً».
يذكر أنه في حال استقالة أولمرت من منصبه فإن ليفني ستحل مكانه، لأنها تتولى منصب القائمة بأعمال رئيس الوزراء، وستكون مخولة البقاء في هذا المنصب رئيسةً لحكومة تصريف أعمال حتى موعد إجراء انتخابات عامة، أو حتى ينجح رئيس «كديما» الجديد، سواء كانت ليفني أو منافسها موفاز، بتأليف حكومة جديدة بديلة من دون إجراء انتخابات عامة.


«كديما» ليس راسخاً

القائمون على حزب «كديما» الحاكم صوّروه على أنَّه «البديل الجديد» لحزب «الليكود». لكن في خضمّ خوضه التجربة الانتخابية الداخلية الأولى، يثبت «كديما» أنه حالة حزبية إسرائيلية مألوفة: انتسابات غير قانونية، ومقاولو أصوات، ومظاهر الفساد تجلت واضحة في ملامح الحزب الحاكم، في أول «معركة».
«كديما» ليس «غيمة عابرة» على الحلبة السياسية الإسرائيلية، لكنه بالتأكيد ليس حزباً راسخاً في أذهان الإسرائيليين. حزب قام على «شعبية» أرييل شارون وانطلق بها. تولى إيهود أولمرت رئاسة الحزب، وصار رئيساً للحكومة، لأن «ظل شارون» كان مهيمناً، لا لأن الإسرائيليين مقتنعون بمسيرة الحزب.
ولا يزال هذا الحزب مهدداً بالانشقاق، وخصوصاً أن ليفني قد تنسحب مع مؤيديها في حال فوز موفاز، فهي تعي جيداً أن مؤيديها سيلحقون بها إلى خارج الحزب، ولن يتوقفوا عند «الالتزام للحزب مهما كان مرشحه».