مليون قتيل وأكبر موجة تهجير منذ «النكبة»... وعودة «الكوليرا» والسلبغداد ـــ زيد الزبيدي
منذ 9 نيسان 2003 حتّى اليوم، وعلى امتداد 65 شهراً و20 يوماً بالتحديد، شهد العراق أعمال قتل وتدمير وعنف، تشير دراسات إلى أنّ العالم لم يشهد مثيلاً لها في التاريخ المعاصر.
فعلى مدى ألفي يوم، قُتل من العراقيين ما لا يقل عن مليون شخص، وهُجّر نحو 4 ملايين آخرين، وعاش العراقيون حياة مليئة بالرعب والفقر والظلام وتدني مستوى الخدمات والقتل على الهوية الطائفية.
وعلى الطرف المقابل، قُتل 4155 جندياً أميركياً، وجُرح 30324 آخرون، يُضاف إليهم مقتل 176 بريطانياً و138 من جنسيات أخرى.
أمّا على صعيد تكاليف الغزو، فذكرت وكالة «نينا» العراقية للأنباء أنها فاقت حتى اليوم، تريليون دولار، تحمّل معظمها دافع الضرائب الأميركي، إضافة غلى تدنّي سمعة أكبر دولة في العالم، وفقدان الثقة بسياساتها حتى من أقرب المقربين إليها.
وتشير الوقائع إلى أنّ الغزو الأميركي للعراق حطّم بلداً بإمكاناته البشرية والمادية الهائلة، ودمّر بناه التحتية ووضعه في قلب حرب أهلية بسبب طريقة إدارته الخاطئة بعد الاحتلال، وتنصيب حاكم أميركي عليه هو بول بريمر الذي أصدر أو نفّذ ـــــ حسب بعض المحللين ـــــ قرارات خطيرة أدخلت العراق في دوامة من الانقسامات السياسية والطائفية والعرقية، ما زال الشعب يعاني منها.
وأدّت الأحداث التي تلت تفجير قبة الإمامين العسكرييّن في سامراء في شباط 2006 (البعض يتّهم قوات الاحتلال) إلى عمليات تهجير للعراقيين تُعدّ الأكبر منذ أزمة اللاجئين الفلسطينيين التي أعقبت قيام دولة إسرائيل عام 1948، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
ولا تزال قضيّة المهجّرين داخل العراق واللاجئين خارجه، تتفاعل على جميع الصعد، إذ يعاني نحو 4 ملايين عراقي نازح ومهجّر من ظروف معيشية صعبة، وسط عجز واضح لأجهزة الدولة عن وضع حلول جذرية للمشكلة في ظل فساد إداري ومالي لم يسبق أن عرفته البلاد.
ويؤكد المراقبون أن ضعف كفاءة معظم مسؤولي أجهزة الدولة الحاليين، في ظل لجوء أو هرب الكفاءات العلمية والإدارية وغيرها الى خارج العراق، يسبب استمرار تدهور الخدمات حتى إشعار آخر، ما يعني استمرار معاناة المواطن من أزمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود والمجاري والبطالة والسكن وغيرها.
ومع أن قوات الاحتلال لم تقصف مولّدات الكهرباء، كما فعلت عام 1991 في عملية «عاصفة الصحراء»، إلا أنّه لم يتم إنشاء محطة كهرباء رئيسية واحدة منذ عام 2003 بدعوى عدم استقرار الوضع الأمني، في وقت شهدت فيه المحافظات الجنوبية، وكذلك محافظات كردستان، استقراراً يتيح المجال أمام إنشائها.
وينطبق هذا الوضع على مصافي النفط، إذ أصبح العراق، وللمرة الاولى في تاريخه، يستورد المشتقات النفطية بمليارات الدولارات سنوياً، بدل إنشاء مصافٍ، وهو الذي يقبع على ثاني احتياطي للنفط (بعد السعودية) على وجه الارض.
وبعدما كان العراق قد تخلص من الأمراض والأوبئة التي كانت مستوطنة فيه في تاريخه القديم، عادت إليه هذه المرة وبقوة، وخصوصاً وباء الكوليرا الذي اجتاحه من الشمال وحتى الجنوب مروراً بعاصمة الرشيد، بسبب مياه الشفة الملوثة وضعف الخدمات والفقر، إضافة إلى أمراض أخرى ظنّ العراقيون أنّها ذهبت إلى غير رجعة، كالسل و«حبة بغداد».
ويؤكد هذا الواقع تقرير أصدرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لفت إلى أنّ العديد من العراقيين «يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، من مياه وخدمات صحية وصرف صحي، وأن الوضع الإنساني في العراق يعدّ من بين الأسوأ في العالم».
أمّا عن البطالة، فإنّ نسبتها وصلت الى أعلى مستوياتها وتجاوزت الـ40 في المئة من القوى العاملة، ومعظمها من متخرّجي الكليات والمعاهد الذين كانوا في السابق يضمنون لأنفسهم مكاناً في الدوائر والمؤسسات الحكومية لدى تخرجهم أو إكمالهم للخدمة العسكرية.
وعلى الصعيد السياسي، فإن العملية السياسية التي وضع الأميركيون أسسها وأداروها على قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية، دخلت مرحلة تضارب المصالح الحزبية والقومية واستغلال ما يعتقده البعض ضعف الحكومة المركزية.
وأثارت مطالبة قيادات الأحزاب الكردية بضم مناطق في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين ومن ضمنها خانقين، إلى إقليم كردستان، حفيظة الأطراف السياسية الأخرى. ووصل الأمر بتلك القيادات إلى الاعتراض على دخول الجيش العراقي إلى مناطق خارج الإقليم تقع تحت سيطرة قوات «البشمركة» وقوات الأمن الكردية «الأسايش»، بحجة «عدم أخذ الإذن من حكومة الإقليم».
إلا أنّ الجديد في الموضوع، هو ما صرّح به عدد من السياسيين الأكراد في اعتراضهم على تسليح الجيش العراقي بالطائرات المقاتلة واشتراطهم إدخال ضمانات على عقود التسليح، تنصّ على عدم استخدام السلاح هذا الجديد ضد الإقليم، في سابقة خطيرة، تشير إلى مدى انعدام الثقة بين العرب والأكراد.
وأمام هذه الصورة المهزوزة للواقع العراقي، فإنّ إدارة بوش تسابق الزمن لفرض اتفاقية يقول الكثير من السياسيين إنّ ظاهرها تنظيم الوجود العسكري الأميركي في البلاد، أما باطنها فهو استمرار السيطرة الفعلية على العراق عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ولكن بعنوان جديد.

وعبّر المالكي عن شكره للحكومة الروسية لإطفائها الديون المترتبة على العراق والبالغة نحو 129 مليار دولار بادرت الأخيرة إلى شطبها في شباط الماضي.
إلى ذلك، سوّت الحكومة العراقية 1.2 مليار دولار من الديون التجارية التي ترجع إلى عهد صدام حسين.
(رويترز، يو بي آي)