الكويت: أفراد بلا هوية
«القنبلة الموقوتة»، «كرة الثلج»، و«الأزمة الأزلية»، مصطلحات يطلقها الكويتيون على قضية البدون. فمن هي هذه الفئة، وما هي الإشكاليات التي تواجه تجنيسها، ولماذا تتردد الأسرة الحاكمة في منحها الجنسية؟
مثّلت هذه الفئة، ولا تزال، صداعاً ديموغرافياً يؤرّق حكومات دول الخليج كافة، والكويت خصوصاً. والبدون في غالبية دول الخليج هم من أبناء البادية الرحّل من قبائل شمال الجزيرة العربية ومن النازحين في الشاطئ الشرقي للخليج. لم يحصلوا على جنسية البلد الذي يعيشون فيه، وذلك بعد الانسحاب البريطاني عام 1971، وما نجم عنه من استقلال تلك البلدان.
ففي الكويت، يُشار بتعبير «البدون» للأشخاص الذين أقاموا في البلد فترة طويلة وأصبحوا مؤهلين لاكتساب الجنسية بموجب أحكام قانون الجنسية 15/1959، لكن الحكومة ترفض منحهم إياها لأسباب عرقية ومذهبية. وفيما كان عددهم يقدر بـ350 ألفاً قبل عام 1990 (نصف تعداد الكويتيين)، تقلص إلى 93 ألفاً ـ حسب الإحصاءات الرسمية الحالية ـ بسبب سياسة الضغط والتهجير، فيما تقرّ وزارة الداخلية بأن 5000 منهم فقط هم «بدون»، و86 ألفاً لديهم جنسيات دول أخرى.
والمفارقة أن حكومة الكويت كانت تتعامل مع هذه الفئة كمواطنين، رغم أنهم من دون جنسية، وتقبل على توظيفهم في مختلف وزارات الدولة، وقبول أبنائهم في المدارس الحكومية. ومع مرور الوقت، بدأت تتنكر لهم شيئاً فشيئاً، حتى أصبح «البدون» محرومين كل شيء. أزمة تعود جذورها إلى عام 1959، مع صدور قانون الجنسية الكويتية، وبرزت إلى السطح عام 1961 بعد نيل الدولة الاستقلال، إذ مُنحت الجنسيّة إلى مجموعة من المواطنين، وحُجبت عن مجموعة أخرى، عُرف أصحابها بـ «البدون».
إلا أن طابعاً طائفيّاً وعرقيّاً يدخل في ثنايا الملف. إذ يرى الباحث الكويتي، فؤاد العلي، أن أعداد المنتمين إلى فئة «البدون» كانت تزداد بفعل النمو الطبيعي لأفرادها و«دخول المزيد من الأشخاص الذين أخفوا جنسياتهم الحقيقية ليكونوا جزءاً من الملف». ويشير إلى أن هذه «الحمولة الزائدة على الملف تحمل في طياتها محاولات دول من الجوار خارج منظومة دول الخليج إحداث تغيير في التركيبة الطائفية والقومية لسكان المنطقة». وتحدث خصوصاً عن «بدون» ينتمون إلى إيران وباكستان ودول أوروبا الشرقية، إضافةً إلى «بدون» من عرب العراق وسوريا.
أولى خطوات مقاربة الأزمة كانت في أواسط ثمانينات القرن الماضي، حين قررت الكويت رصد امتيازات ومكافآت مالية لكل من يثبت جنسيته الأصلية، فأبرز المئات منهم جنسياتهم العراقية والسورية والإيرانية، ليفوزوا بعدد من التسهيلات، منها الإقامة شبه الدائمة، إضافة إلى مبالغ مالية، والعمل في مؤسسات الدولة.
خطوة وصفت بـ «الذكية»، إلا أن الملف عاد إلى الواجهة غداة الاجتياح العراقي للكويت عام 1990، إذ طرحت مطالبات عديدة لمنحهم الجنسية، ولا سيما أن غالبيتهم وقف ضد الاجتياح، وقدم تضحيات دفاعاً عن البلاد. وأصدر أمير الكويت الراحل، الشيخ جابر الأحمد الصباح، عام 1991 مرسوماً جمهورياً بهذا الخصوص، إلا أن المشاكل القائمة بين الحكومة ومجلس الأمة، أسهمت في عرقلته.
العرقلة بقيت حتى عام 1998، حين وعدت الحكومة بتقديم إعانات اجتماعية وتصاريح إقامة لمدة 5 سنوات إلى الأفراد من «البدون» الذين يتخلون عن المطالبة بحقهم في الحصول على الجنسية الكويتية. كما حذرت غير المؤهلين للحصول على الجنسية من التعرض للملاحقة القضائية والترحيل، ما لم يسجلوا أنفسهم بصفتهم أجانب.
وفي 16 أيار 2000، نص تعديل لقانون الجنسيّة على أن أفراد فئة «البدون» الذين يريدون التقدم بطلب التجنيس لا بد أن يكونوا مسجلين في إحصاء عام 1965، ولا بد أن يثبتوا أنهم أقاموا في الكويت بصفة مستمرة منذ ذلك الحين، ما يعد شرطاً تعجيزيّاً، وخصوصاً أن غالبيتهم من البدو الرحّل.
ويعود إخفاق فئة البدون في الحصول على الجنسية الكويتية إلى أسباب عديدة أبرزها:
1 ـ قصر فترة الإعلان عن الجنسية، وضعف حملة التوعية الرسمية بأهمية الجنسية في بداية الأمر، وخصوصاً في أوساط البدو.
2 ـ اعتبار الإقامة في الكويت بين 1920 و1950 شرطاً للحصول على الجنسية بمختلف درجاتها، ما منع الكثيرين من الحصول عليها، ولا سيما أنه لم تكن هناك أي إحصاءات رسمية قبل عام 1950.
3 ـ سيطرة العوامل القبلية والطائفية على اللجان، في ظل انتماء غالبية البدون إلى المذهب الشيعي، في بلد يمثّل السنّة فيه الأكثرية.
6 ـ عدم اهتمام الحكومة بإيجاد حل للمشكلة في بداية الأمر، ما أدى إلى تفاقمها مع الوقت.
مشكلة عزا نقيب الصحافيين والمراسلين الكويتيين، زايد الزيد، جوهرها إلى وجود فئة من الشعب تنظر إلى البدون بصورة عنصرية، فهي لا تريد أن يحصلوا على حقوقهم المدنية، وهذا «موقف طائفي بغيض». وأشار إلى اللجنة الحكومية التي سميت «لجنة المقيمين بصورة غير شرعية»، والتي قامت بممارسات طائفية وغير أخلاقية مع أفراد البدون باعتراف من الحكومة.
ويبقى أن السجال بشأن مجموعة غير قليلة من المواطنين المحرومين الجنسية في أغلب دول الخليج، لم يبدأ حتى الآن طرحه على مجلس التعاون الخليجي الذي مرّ عقدان من الزمن على إنشائه. ورغم أن «البدون» يمثلون جزءاً هاماً من تركيبة المجتمع الخليجي ككل، فإن القضية استحوذت على اهتمام أكثر في الكويت، بسبب حالة الانفتاح النسبي إعلامياً وسياسياً في ذلك البلد.
وتبقى أزمة «البدون» قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة في الكويت، ودول الخليج، التي تعاني الأزمة نفسها. وسيظل البدون شهوداً على النقلة السياسية السريعة التي حصلت في الجزيرة العربية، حينما تحولت تلك الأراضي الشاسعة التي كانت تعج بحياة أهل البادية إلى «أوطان» ذات حدود سياسية، فتاه «البدون» بين وطن يبحث عن مواطنين يحملون مواصفات محددة، وبين مواطنين يبحثون عن وطن.
«أنقذونا قبل أن نتحوّل إلى لصوص» في... الإمارات
إذا كانت الكويت تساوي بعض البدون بالمواطنين، لجهة العمل والطبابة والتعليم، فإن معظمهم في الإمارات يعيشون على هامش الحياة العامّة
«نحن فئة لم نبخل بالغالي والرخيص في سبيل رفعة هذه الدولة، ومع هذا نفتقر إلى أبسط حقوق الإنسان (بدون جنسية)، كثير منا حضروا قبل قيام الاتحاد، لا علاج ولا تعليم ولا عمل، حتى الهجرة ممنوعون عنها، نصرخ ونستغيث: أنقذونا قبل أن نصبح لصوصاً أو نموت من الجوع والجهل والمرض؟ هل سمعتم عمن يعيشون في الدول الفقيرة تحت خط الفقر؟ نحن نصنف من ضمن هؤلاء، وأين؟ هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة».
صرخة أطلقها «بدون» الإمارات منذ سنوات خلت، ولم تلقَ آذاناً صاغية إلا في نهاية عام 2006 مع الإعلان رسمياً عن تجنيس 1294 فرداً، وتسليمهم جوازاتهم الجديدة، فيما عكفت وزارة الداخلية واللجان المعنية على متابعة طلبات الدفعة الثانية، لتعود الحكومة في أيلول الماضي وتقوم بحملة واسعة لإحصاء عديمي الجنسية وتسجيلهم، الذين يعيشون على الأراضي الإماراتية منذ سنوات. وقد توافد المئات للتسجيل والمطالبة بالجنسية، مغتنمين فرصة، تقول الحكومة إنها الأخيرة.
ويؤكد المدير العام لإدارة الجنسية والإقامة بالإنابة، العميد ناصر المنهالي، أنّ الحملة «تهدف إلى حل نهائي وشامل» لمشكلة البدون، لكنه لفت إلى أنّ «هناك فئة كبيرة من البدون هي عبارة عن متسلّلين بطريقة غير مشروعة، وعن مخالفين لقوانين العمل والإقامة». وشدد على أن عدد الاستمارات الموزعة لا يمكن أن يعطي فكرة حقيقية عن عدد مستحقي الجنسية من فئة البدون، رغم اعتباره «أن عشرة آلاف شخص من فئة البدون هو الرقم الأقرب إلى الواقع»، فيما يؤكد البدون أن عددهم يراوح ما بين 25 ألف شخص إلى 30 ألفاً.
وللحصول على الجنسية، يتعين على طالبها أن يكون مقيماً في الإمارات بصورة متواصلة، منذ ما قبل قيام الاتحاد الإماراتي عام 1971، وألّا يخفي أي وثائق من شأنها أن تدل على جنسيته السابقة، وأن يكون حسن السيرة والسلوك. كما ألزمت اللجنة كل مطالب بالجنسية الخضوع لفحص الحمض النووي لإثبات نسبه. ويشار إلى أن عديمي الجنسية في الإمارات يتحدر قسم كبير منهم من آسيا وإيران وأرخبيل زنجبار التابع لتانزانيا. ويمكن تصنيفهم ضمن 3 فئات، الأولى هم من استوطنوا الإمارات قبل قيام الاتحاد، واستحقوا الجنسية. والفئة الثانية من أتوا بعد قيام الاتحاد، والثالثة ممن جاؤوا بعد الغزو العراقي للكويت، ويُتهمون بإخفاء جنسياتهم الأصلية للحصول على الجنسية الإماراتية للاستفادة من المزايا التي تقدمها إلى مواطنيها.