محاولات للسطو على التبولة والحمّص بالطحينة والبابا غنّوجرشا أبو زكي
بعد القصف والتدمير والقتل... وصلت اليد الإسرائيلية إلى سرقة التسميات الجغرافية وطريقة تصنيع مكوّنات منتجات المطبخ اللبناني، إذ تسوّق إسرائيل منتجات كالتبولة والحمص بالطحينة والبابا غنوج والفلافل... على أنها «صناعة إسرائيلية»، لا بل تُباع هذه الأطباق في المعارض الدولية على أنها من «تراث المطبخ الإسرائيلي»! هذا السلوك تغطّيه أكثر من جهة، ولا سيما أن الدولة الغاصبة تحمل بيدها بطاقة بيضاء للدخول إلى معظم الأسواق العالمية من دون عوائق تذكر. ومن ناحية أخرى تحظى بدعم من منظمة حماية الملكية الفكرية العالمية. إذ تؤكد المعلومات، أن هذه المنظمة تعمد إلى عرقلة طلبات لبنانية لتسجيل بعض الأطباق والمنتجات ضمن لائحة المنتجات الحائزة حماية التسميات أو الدلالات الجغرافية، ومنها على سبيل المثال طبق «التبولة». وتشير هذه المعلومات إلى أن لبنان أرسل إلى المنظمة العالمية طلباً لإدخال هذا الطبق ضمن المنتجات المحمية بتسميات جغرافية لبنانية، إلا أن المنظمة رفضت هذا الطلب، ورأت أنه يحتاج إلى دراسة أكثر، على الرغم من أن الجانب اللبناني علّل في صلب طلبه انتماء «التبولة» إلى تراث المطبخ اللبناني، وأن لبنان أنجز أكبر طبق للتبولة في العالم، ودخل بذلك إلى كتاب غينيس للأرقام القياسية. وتلفت المعلومات إلى أن إسرائيل كانت وراء قرار الرفض، لكونها رأت أن «التبولة» هي جزء من التراث اليهودي الإسرائيلي!
ومحاولة السطو التي تمارسها إسرائيل بدأت منذ سنوات عدّة، إذ يؤكد الأستاذ الجامعي، وهو أحد أهم مؤسسي حركة الدفاع عن التسميات الجغرافية اللبنانية، رودولف القارح، أنه بدأ العمل على التسميات الجغرافية اللبنانية في عام 1994، وقد بدأت المعركة لحماية هذه التسميات في عام 1997، لافتاً إلى أن اسرائيل حاولت السطو منذ 10 أعوام على اسم «كفريا» اللبناني لصناعة نبيذ إسرائيلي، وعمدت كذلك إلى تسويق نوع من الخيار المنتج تحت الخيم البلاستيكية في فلسطين المحتلة على أنه «خيار الكحالة» اللبناني، وذلك في أسواق ديترويت في ميشيغن، إضافة إلى محاولات عدّة للسطو على أسماء لمنتجات لبنانية عديدة منها الفلافل والحمص بالطحينة التي بدأ لبنان بتصديرها في عام 1950، أي قبل أن يظهر الكيان الإسرائيلي بصورته الحالية، إضافة إلى أصناف أخرى متعددة.
ويرى رئيس نقابة الصناعات الغذائية، جورج نصراوي، أن الضجة الإعلامية العالمية حول موضوع استخدام إسرائيل للمنتجات اللبنانية على أنها من المطبخ الإسرائيلي، ترتبط بقوة الإعلام الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الصناعيين في لبنان يقومون بواجباتهم في الدفاع عن منتجاتهم أسوة بالصناعيين في جميع دول العالم، ولافتاً إلى أن جبنة الحلوم مسجلة باسم قبرص والفيتا باسم اليونان، ويحق للبنان تسجيل منتجاته المرتبطة بتراثه الغذائي باسمه، مثل الفلافل والكشك والحمص بالطحينة وغيرها... وموضحاً أن التأثيرات الاقتصادية لهذا الموضوع لم تتضح حتى الآن، ولكن في المدى البعيد من الممكن أن تكون هنالك تداعيات على الصناعات الغذائية اللبنانية.
ولكن إن كانت سياسة إسرائيل مبنية على السطو والسرقة، فماذا يفعل لبنان لمواجهة هذه السياسة؟ الجواب لا يمكن أن يخرج عن إطار الإهمال الحكومي للقطاعات الإنتاجية في لبنان. فالقارح يرى أنه يجب العمل على سياسة دفاعية اقتصادية في وجه السرقة الإسرائيلية المتتالية للتسميات اللبنانية، لافتاً إلى أن المواجهة يجب أن تبدأ بتكتل المعنيين بالقطاعات الإنتاجية لحماية إنتاجهم، والعمل سريعاً على تسجيل منتجاتهم محلياً، إضافة إلى سد كل الثغرات أمام إسرائيل لوقف تعدياتها، وإنشاء مؤسسة وطنية للتسميات الجغرافية اللبنانية في السوق المحلية وفي الأسواق العالمية، وذلك في سبيل رصد جميع السلوكيات التجارية المعادية ضد المنتجات اللبنانية في الأسواق العالمية. ويدعو القارح كذلك إلى عقد اجتماعات متتالية بين الوزارات المعنية، منها وزارات الاقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة والعدل والخارجية والمال وحتى الثقافة للعمل على حماية المنتجات المحلية، وخصوصاً التي تدخل ضمن التراث الثقافي الإنتاجي اللبناني... والأهم وضع سياسة لحماية الإنتاج الوطني وتنفيذها...
وتفيد معلومات وزارة الاقتصاد أن الفلافل لم تصنف حتى الآن من ضمن الدلالات الجغرافية اللبنانية، باعتبار أن منشأ هذا المنتج من الشام، في حين أن الحمص والبابا غنوج لم يسجلا حتى الآن. ويقول القارح إن من المستحيل أن تعمل إسرائيل على تسجيل هذه المنتجات على أنها من الدلالات الجغرافية الإسرائيلية، لعدة اسباب أهمها عدم قدرتها على إثبات أن هذه الأطباق تعود إلى التراث الإسرائيلي.
ويؤثر عدم الاهتمام الرسمي بموضوع التسميات على رصيد المنتجات اللبنانية، وذلك في ظل وجود تنافس دولي في عمليات التسجيل، إذ قدمت فلسطين طلباً لتسجيل الفلافل على أنها من الدلالات الجغرافية الفلسطينية، كذلك يعمل الأردن حالياً على إعداد الملفات اللازمة لإتمام عمليات تسجيل منتجات تتقاطع في صناعتها مع لبنان. وبالتالي ستتمحور الخطوات المقبلة التي تقوم بها جمعية الصناعيين حول تسجيل هذه المنتجات في الاتحاد الأوروبي الذي خلق في عام 1992 أنظمة عرفت بـ PDO (حماية صفة الأصل) و PGI (حماية الدلالات الجغرافية) و TSG (ضمانة الخاصية التقليدية بالتصنيع)، وذلك من أجل حماية المنتجات الغذائية القيمة المتعلقة بالهوية الثقافية لبلدان معينة وطرق الصناعة التقليدية، وبعد التسجيل يحصل لبنان على الحق الحصري لاستخدام اسم منتجاته... إلا أن رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود يلفت إلى أن الحصول على التسجيلات اللازمة يتطلب إعداداً دقيقاً للملفات المتعلقة بالمنتجات، لإثبات أنها تنتمي إلى الثقافة الغذائية اللبنانية، وبعد ذلك ستتقدم الطلبات إلى وزارة الاقتصاد لتقوم بتسجيلها في الاتحاد الأوروبي. ويشير عبود إلى أن جمعية الصناعيين ستقوم بورشات عمل صناعية عن موضوعات التسجيل، وبعد تسجيل المنتجات المطلوب حمايتها سترفع الجمعية دعوى قضائية في وجه إسرائيل وجميع الشركات المساهمة في عمليات السطو لصون الإنتاج الوطني وحمايته.


350 ألف فرنك سويسري

هي كلفة مشروع أعدته وزارة الاقتصاد والتجارة مع سويسرا تحت عنوان «حماية المؤشرات الجغرافية اللبنانية» عام 2004، وهذا المشروع يغفو حتى الآن في أحد الأدارج المجهولة في الوزارة، وكان هدفه وضع مسودة إطار تنظيمي لهذه المؤشرات


ما هو المؤشر الجغرافي؟