مع إقرار الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن في البرلمان العراقي، يكون الرئيس الأميركي، جورج بوش، قد نجح في إمرار تركته العراقيّة إلى خلفه باراك أوباما، وقطع الطريق على ما كان قد أعلنه الأخير من نيته سحب القوات خلال الأشهر الـ 16 الأولى لولايته
واشنطن ــ محمد سعيد
يصر الرئيس جورج بوش وكبار أركان إدارته على أن عدوانه على العراق هو مشروع ناجح، بالرغم من معارضة غالبية الشعب الأميركي، وأن الحرب لم تنته بعد. وفي هذا الإطار يسعى إلى توريث خلفه ضرورة مواصلة حربه ولو إلى حين.
وكان البيت الأبيض، وسط سخونة حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام الجاري، يعتقد أن عرض اتفاقية تحدد موعداً لسحب القوات الأميركية (المقاتلة) من العراق قد يقطع الطريق على المرشح الديموقراطي لانتخابات الرئاسة، مهما كان، من الاستفادة من الدعوة إلى إنهاء الحرب على العراق في حال الفوز بانتخابات الرئاسة الأميركية.
وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن مسارعة بوش إلى الموافقة على التعديلات العراقية المتعدّدة على الاتفاقيّة تعود إلى رغبته في تجنّب ترك القرارات لخلفه «فهو يريد هذا الاتفاق أكثر مما يريده العراقيون أنفسهم».
وطبقاً لتصريحات مسؤولين في «الائتلاف العراقي الموحّد»، فإن انتخاب أوباما قد سهل لهم الموافقة على إمرار تعديلاتهم، بدعوى أن لدى الإدارة الأميركية المقبلة جدولاً زمنياً لسحب القوات من العراق، بحيث لن يكون وجودها دائماً كما تخطط له حكومة بوش عبر تطبيق الاتفاقية. ويقول مسؤولون أميركيون إن أي رئيس سيخلف بوش سيجد أن من الصعب فك الارتباط مع العراق مهما كان حديثه في الحملة الانتخابية. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى «هل سيقول الرئيس الجديد: لا أريد أن أحارب القاعدة في العراق؟».
وكان أوباما قد قال، في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأميركية «سي بي إس» يوم الثامن عشر من الشهر الجاري، إنه سيقوم بتنفيذ خطته للانسحاب من العراق فور تسلمه منصبه في العشرين من شهر كانون الثاني المقبل»، ولكن مستشاره، المتوقع أن يعيّن نائباً لوزير الدفاع، ريتشارد دانزيغ، قال إنه «بعد سحب القوات المقاتلة الرئيسية، فمن المحتمل بقاء 55 ألف جندي للقيام بمهمات استشارية».
ويبدو أن هناك فرصة لتحقيق خطة بوش ببقاء طويل الأمد للقوات الأميركية في العراق، ذلك أن أوباما كان قد تعهد في حملته الانتخابية بزيادة الإنفاق العسكري وزيادة حجم الجيش وقوات مشاة البحرية (المارينز) وتعزيز القوات الخاصة، وتوسيع أجهزة الاستخبارات الأميركية والاحتفاظ بمئات القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في العالم. والمؤشّرات الأوليّة الخاصة بطاقم أوباما للسياسة الخارجية والأمن القومي توضح أنه يغلب عليهم طابع «الصقورية» والتشدد، ولا ينتمي أيّ منهم إلى معسكر مناهضي الحرب في الحزب الديموقراطي، بدءاً من الجمهوري روبرت غيتس، الذي دافع وروّج للاتفاقية، مروراً بهيلاري كلينتون، التي أيدت الحرب على العراق، وصولاً إلى الجنرال المتقاعد جيمس جونز، الذي قد يعهد له بمنصب مستشار الأمن القومي.
وامتنعت إدارة بوش حتى الآن عن نشر النص الإنكليزي للاتفاقية، الذي يتضمن تفسيرات فضفاضة لعدد من الفقرات الرئيسية الملزمة للحكومة العراقية. وقال الخبير العسكري في الشأن العراقي في معهد «بروكينغز»، مايكل أوهانلون، إنه «كان على دراية باختلاف التفسيرات»، موضحاً أن حكومتي بوش والمالكي «اتفقتا على ترك عدد من القضايا المهمة فضفاضة».
ومن بين هذه البنود أن الحكومة العراقية لا تمتلك سلطة حقيقية (مطلقة) لتفتيش حاويات وبريد القوات الأميركية إلا وفق شروط معينة.
أما بند الاتفاقية الذي يبدو كأنه يطلب من الولايات المتحدة إبلاغ المسؤولين العراقيين مسبقاً بأيّ عمليات عسكرية ينوي القيام بها ويسعى للحصول على موافقة العراق على هذه العمليات فيمكن كذلك تعديله. وذكر مسؤول أميركي أن «إبلاغ العراقيين مسبقاً هو عبارة عن دعوة للوقوع في كمين». وقال إن «الحكومة العراقية وقوات الأمن مخترقة كثيراً من المسلحين والإيرانيين والصدريين والأشخاص العاديين الذي يبيعون المعلومات الاستخبارية».