حسام كنفانيمع فشل الحوار الداخلي الفلسطيني في القاهرة مطلع الشهر الجاري، بدأت الأنظار تتجه إلى التاسع من كانون الثاني المقبل، باعتباره تاريخاً محورياً في أزمة الانقسام الفلسطيني، وما بعده قد يكون أسوأ مما هو قائم عليه الآن، إذا أصرّت «حماس» على اعتبار الرئيس الفلسطيني محمود عباس فاقداً للشرعيّة بانتهاء مدة ولايته الدستوريّة وفق القانون الأساسي.
من هذا المنطلق، كان الترقّب للإجراء الذي قد تُقدم عليه «حماس» في هذا التاريخ، وسط سيناريو مرسوم مسبقاً قائم على إعلان رئيس المجلس التشريعي بالإنابة، أحمد بحر، رئيساً مرحليّاً، وهو ما لن يرضى به عبّاس ومنظمة التحرير، لتصبح السلطة برأسين وحكومتين، مع إمكان انضمام بعض الدول إلى معسكر «حماس»، باعتبار أن أبو مازن منتهية ولايته.
غير أن محمود عبّاس فاجأ الجميع، أول من أمس، خلال اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير في رام الله. فبعدما كان مصرّاً على تجاهل تاريخ التاسع من كانون الثاني، واعتباره غير موجود، يبدو أن مجموعة من الاستشارات أفضت إلى اقتناعه بالقيام بخطوة استباقيّة تجنّباً للخوض في جدال بشأن شرعيته الرئاسيّة مع بعض الدول الإقليمية والإسلاميّة.
من هذا المنطلق، عاد منصب «رئيس دولة فلسطين» إلى الظهور، بعد تجاهله خلال السنوات الأربع الماضية منذ استشهاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. إذ يبدو أن عباس كان يمنّي النفس برئاسة الدولة الوليدة عن مفاوضات السلام مع إسرائيل، ويراهن على تعهّد الرئيس الأميركي، جورج بوش، بالتوصّل إلى اتفاق دائم نهاية العام الجاري. سقوط الرهان يفسّر الهجوم الشرس الذي شنه عباس على المفاوضات خلال اجتماع المجلس المركزي، ولعله يدرك أن عليه الانتظار طويلاً قبل الدخول مجدّداً في مفاوضات سلام فعلية.
وحتى ذلك الحين، اختار عبّاس التحصّن برئاسة دولة فلسطينية على ورق، منعاً لأي تشكيك في شرعيته، ولا سيما أن المنصب معترف به عربيّاً ودوليّاً. وحتى الدول العربية التي تحافظ على مسافة في علاقاتها مع السلطة الفلسطينية، لا تستطيع التنصل من الاعتراف بمنظمة التحرير «ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني»، وبالتالي حتى إذا اختارت اعتبار عبّاس منتهية ولايته، لا يمكن أن تغض الطرف عن اعتباره «رئيساً لدولة فلسطين».
انتخاب عبّاس يمثّل خطوة أولى من مسار إجراءات السلطة للالتفاف على «حماس». الخطوة الثانية تمثلت في المبادرة الحوارية التي أطلقها أبو مازن أمام المجلس المركزي. مبادرة لا تحيد عن الورقة المصرية، ومن المعلوم أنها مرفوضة سلفاً من حركة «حماس». لكن عباس يريد استخدامها للدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة مطلع العام المقبل.
ولا شك أن عباس متأكد من أن «حماس» لن تسمح بإجراء مثل هذه الانتخابات في قطاع غزّة، وهو ما قد يتذرّع به لإعلان تعيين نواب مرحليين يمثلون القطاع. وبما أن «حماس» لن تعترف بنتائج الانتخابات، وستكون قد عينت رئيسها الخاص لقطاع غزة، وستصر على اعتبار برلمانها هو الشرعي، فإن الوضع الفلسطيني سيكون أمام سيناريو كامل الأوصاف للانفصال: رئيسان، حكومتان، وبرلمانان. ما يعني أن رؤية جورج بوش في حلّ الدولتين قد تتحقّق، لكن بدولتين فلسطينيتين.