رحل حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش منذ عام، وهو يوصي بـ«الوحدة الوطنية وبفلسطين خيراً»، فيما مرّت ذكراه الأولى بهدوء فرضه ضجيج العدوان الإسرائيلي وانشغال الفلسطينيين بانقسامهم وخلافاتهم الداخلية.حبش كرّس معظم سنوات عمره الثلاثة والثمانين للنضال الوطني، أسّس خلالها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وظل يرأس أمانتها العامة حتى تنحّى طواعية، ليتولى الأمر من بعده قياديان، الأول رحل شهيداً (أبو علي مصطفى)، والثاني بات أسيراً (النائب أحمد سعدات).
لم ينزلق حبش، الذي توفي في 26 كانون الثاني 2008، إلى متاهات التسويات.
ولمن لا يعرف الكثير عن حياة هذا الرجل الذي أعطى كل ما لديه للثورة، فهو الطبيب الذي اختار مداواة جرح القضية، منذ مغادرته اللد قسراً، في عام 1948. كان يومها يدرس الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث تخرج في عام 1951، متخصصاً في طب الأطفال، فعمل في العاصمة الأردنية عمّان والمخيمات الفلسطينية.
الطبيب الثائر، لم يتابع عمله في مجال اختصاصه أكثر من ست سنوات، فبعد مشاركته في عام 1952 بتأسيس حركة القوميين العرب، أعطى جلّ وقته للعمل السياسي، الذي أجبره على مغادرة عمان إلى دمشق. لكن الرجل لم يجد دمشق أرحب مكاناً لعمله السياسي، إذ صدرت بحقه عدّة أحكام بين أعوام 1958 و1963، أجبرته على الفرار إلى بيروت.
هنا في العاصمة اللبنانية التي كان حبش يجدها أقرب إلى مدينته الأمّ اللد (حيث ولد في عام 1926)، في عام 1967 أسّس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع الدكتور وديع حداد وأبو علي مصطفى وآخرين، وشغل منصب أمينها العام. وقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على مبادئ الماركسية اللينينية.
ولم يُعرف عن حبش أنه «انحنى للريح». لقد «لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يوصي بفلسطين وبالوحدة الوطنية»، حسبما ذكرت رفيقته الحزبية، عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية، مريم أبو دقة لـ«الأخبار».
وتقول الدكتورة أبو دقة، التي رافقت الحكيم لسنوات طويلة خلال نضاله في لبنان ودول أخرى، «كان يعزّ علينا أن تمر ذكرى رحيله في ظل أحوال سيئة يعايشها الشعب الفلسطيني جراء العدوان والانقسام... كان الحكيم ليحزن بمرارة ويبكي دماً لو عايش هذه اللحظات التي تمر بالشعب الفلسطيني».
وفي غزة، مرت ذكرى الحكيم ببيان أصدرته «الشعبية»، من دون إقامة أي احتفال. وعن ذلك تقول أبو دقة إن «أهمّ احتفال للحكيم هو الانتصار في معركة استعادة الوحدة على أسس ديموقراطية تضمن الحق في المقاومة».
وتحدّث بيان الجبهة الشعبية عن إنجازات ومسيرة «القائد الوطني القومي الأممي الكبير الشهيد جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، معتبراً أن الذكرى الأولى لغياب حكيم الثورة «يأتي في ظل استمرار حال الانقسام الفلسطيني والعربي، واستغلال دولة الاحتلال لحال الانقسام هذه خلال السنتين الماضيتين بهدف تكريس عدوانها ووجودها في أرضنا الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وسعيها المتواصل لتدمير نهج المقاومة عبر العدوان الوحشي الذي شنته على قطاع غزة بتواطؤ مكشوف مع الإدارة الأميركية السابقة».
وجدد البيان دعوة «أطراف العمل الوطني الفلسطيني كلّها لوضع المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا فوق الاعتبارات التنظيمية والفئوية.. لتحقيق حلم الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس».
في هذا الوقت، لا يزال سجال تأبين حبش قائماً في الأراضي المحتلّة عام 1948. وشنّ رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، هجوماً على رئيس كتلة التجمع الوطني الديموقراطي البرلمانية لفلسطينيي 48، النائب جمال زحالقة، بسبب موقف الأخير من المناضل حبش، ومشاركته في جنازته وتأبينه، علاوة على دعوته إلى دفن القائد الراحل في مسقط رأسه في مدينة اللد المحتلة.
ورد زحالقة على تحريض المسؤول الإسرائيلي المتطرف بالقول إن «المناضل المرحوم حبش يقف في الصف الأول من القيادات الفلسطينية في القرن العشرين، وإن التقدير الذي نكنّه له ينبع من حرصه على البرنامج الوطني الفلسطيني والوحدة الوطنية الفلسطينية، ودوره الرائد والطليعي في مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية، ورفضه لمشاريع التسوية غير العادلة للقضية الفلسطينية، مثل اتفاق أوسلو».
وأضاف زحالقة: إن «تخليد ذكراه، وخاصة في مدينة اللد، هو حق لنا وواجب علينا، ولن نأبه لمواقف ليبرمان ولا الشرطة ولا الاستخبارات. نحن سنستمر في عملنا من أجل تخليد ذكرى القائد الفلسطيني الراحل في مدينة اللد، التي قال عنها مراراً وتكراراً إنها مدينته المدللة».
وكان ليبرمان قد وضع قضية مشاركة زحالقة في جنازة وتأبين حبش نقطة رئيسية في قضية شطب التجمع، التي وافقت عليها لجنة الانتخابات المركزية بالإجماع، وألغتها المحكمة العليا.
(الأخبار)